علوم اجتماعية وانسانية

كيفية بناء علاقة صحية مع ابنك المراهق: أهمية التواصل العاطفي بين الأب وابنه

في الحلقة الأولى من مسلسل “المراهقة” على نتفليكس، تتكشف لحظة متوترة بين الأب إيدي وابنه جيمي، البالغ من العمر 13 عامًا، والمتهم بالقتل. في مركز الشرطة، يحاول إيدي مواساة ابنه، فيميل إلى الأمام ويبدأ برفع ذراعه، لكنه لا يُظهر المودة الجسدية التي يتوق إليها جيمي. بدلًا من ذلك، يُقدم إيدي نصائح عملية، قائلًا لابنه: “تناول رقائق الذرة”، مُركزًا على الفعل على العاطفة.

يعكس هذا المشهد، وفقًا لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، المسافة العاطفية التي يشعر بها العديد من الآباء عن أبنائهم المراهقين. فعلى الرغم من وجودهم الجسدي، يجد إيدي وشخصيات أخرى في المسلسل صعوبة في كسر الحواجز الصامتة التي تظهر مع انتقال الأولاد إلى مرحلة المراهقة.

غياب المودة الأبوية: فجوة عاطفية

بصفتي أبًا، أستطيع أن أتفهم هذا الصراع. مع تقدم ابني الأكبر في السن، وجدت نفسي غير متأكد من كيفية التواصل معه وهو يتطور من طفل إلى شخص بالغ. نشأتُ دون أب، وافتقرتُ إلى نموذج يُجسّد كيفية سد الفجوة العاطفية المتنامية بين الآباء وأبنائهم المراهقين. ومع ذلك، أدركتُ أن كسر هذه الحواجز أمرٌ بالغ الأهمية لتعزيز رابطة قوية بين الأب والابن. ذكّرني فيلم “المراهقة” بأنني لستُ وحدي في هذا التحدي.

أهمية المودة الجسدية في نمو الذكور

تاريخيًا، ركّزت الدراسات حول علاقات الأب والابن على غياب الآباء، وغالبًا ما ربطته بنتائج سلبية كالعدوان والسلوك الإجرامي لدى الأولاد. مع ذلك، تُظهر الأبحاث الحديثة أن مجرد العيش في المنزل نفسه لا يكفي. فالمودة العاطفية والجسدية التي يُقدّمها الآباء لأبنائهم تلعب دورًا حاسمًا في نموهم، وخاصةً في مواجهة تحديات المراهقة.

في فيلم “المراهقة”، يُمثّل سلوك جيمي انعكاسًا صارخًا لغياب المودة الأبوية. يُكافح جيمي من أجل هويته، مُحاولًا إثبات رجولته من خلال أفعال محفوفة بالمخاطر ومُدمّرة كالنشاط الجنسي والعنف. يُسلّط هذا الضوء على أهمية إظهار الآباء حبهم، ليس بالكلام فحسب، بل من خلال اللمس الجسدي، مما يُعلّم الأولاد أنه لا بأس من أن يكونوا ضعفاء ومحبوبين مع احتضان قوتهم في الوقت نفسه.

نهجي الخاص: “سبع دقائق مع الأب”

لتعزيز علاقة أعمق مع أطفالي، طوّرتُ لعبةً تُسمى “سبع دقائق مع الأب”. كان بإمكان كلٍّ من أطفالي أن يتولّى زمام المبادرة في الحديث لمدة سبع دقائق، مُشاركةً ما يدور في ذهنه دون أن أطرح عليه أسئلة. مع أطفالي الأصغر سنًا، كانت المحادثات غالبًا خفيفة الظل، لكن ابني وابنتي المراهقين كانا أكثر ترددًا. أحيانًا، كنت أدعو ابني للجلوس معي، وأطلب منه أن يُشاركني شيئًا حقيقيًا عن حياته. وبينما كان التعبير عن الحب الجسدي أمرًا سهلًا في صغرهم، إلا أنه مع نموهم، كان عليّ أن أكون أكثر حرصًا على كسر الحواجز العاطفية التي غالبًا ما تتشكل خلال فترة المراهقة.

دور الآباء في تشكيل الرجولة

غالبًا ما يكون الآباء هم أول من يُعرّف أبنائهم على الرجولة. في كثير من الأحيان، نفترض أن المودة الجسدية تصبح غير ضرورية مع تقدم الأولاد في السن، أو أن السخرية قد تحل محل التأكيد الصادق. ومع ذلك، من الضروري أن نُظهر لأبنائنا أن الحب والقوة لا يتعارضان. فبدون وجود شخصيات أبوية إيجابية، يلجأ بعض الأولاد إلى نماذج سيئة، مثل مؤثري الإنترنت، الذين ينشرون الخلل العاطفي والجنسي.

المسار البديل: علاقة لوك وآدم

في رواية “المراهقة”، تُقدم شخصية لوك، الأبوية، بديلاً عن العلاقة العاطفية البعيدة بين إيدي وجيمي. بعد حل قضية، يُخصص لوك وقتًا للتواصل مع ابنه آدم، ويدعوه لتناول رقائق البطاطس والمشروبات الغازية. افترض آدم، المتردد في البداية، أن عمل والده له الأولوية. لكن لوك يُطمئنه قائلاً: “لديّ بعض وقت الفراغ. أريد أن أقضيه معك لأني أحبك”. يُظهر هذا التفاعل أنه لم يفت الأوان بعد لإعادة بناء علاقة الأب والابن ورعايتها.

الخلاصة: ضرورة التواصل العاطفي

مع أن “المراهقة” عمل خيالي يُبسط العلاقة بين السبب والنتيجة، إلا أنه يُذكّرنا بشدّة بالصعوبات التي يواجهها العديد من الأولاد نتيجةً لنقص الدعم العاطفي من آبائهم. وبصفتنا آباءً، يقع على عاتقنا أن نُظهر الحب لأبنائنا وأن نوفر لهم الأساس العاطفي اللازم للنجاح في عالمٍ يزداد تعقيدًا.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى