الجارديان تُحذر: هل بدأ العد التنازلي لعصر ما بعد أميركا؟

في تحليل نُشر في افتتاحية صحيفة الجارديان البريطانية، تناولت الكاتبة نسرين مالك التناقض العميق في نظرة العالم إلى الدور الأمريكي، مشيرة إلى أن هذا التناقض بات غير قابل للاستمرار في ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم. فلطالما وُجهت الانتقادات إلى واشنطن بسبب تدخلاتها الخارجية، ومع ذلك تُستدعى دومًا للعب دور “الضامن الأخلاقي” للنظام الدولي. ومع دخول دونالد ترامب يومه المئة في ولايته الثانية، تؤكد الجارديان أن العالم يواجه لحظة حاسمة، إذ لم تعد المؤسسات الأمريكية – التي كانت تشكل دعامة للاستقرار العالمي محل ثقة. التقرير يسلط الضوء على ما وصفته بـ”الفرصة وسط الفوضى”، لإعادة تصور نظام عالمي لا يتمحور حول واشنطن.
أوهام الاعتماد على الضمير الأمريكي
من السودان إلى غزة، ظلّ هناك إيمان واهٍ بأن واشنطن ستتدخل لفرض “معاييرها الأخلاقية”، رغم عدم وجود مصلحة مباشرة لها. هذه التوقعات تنم عن تناقض غريب: مطالبة قوة غير أخلاقية بأن تلعب دور الحَكَم الأخلاقي. حتى في الأزمات التاريخية مثل غزو العراق للكويت، كان السجال يدور حول “الشر الأكبر”، مما يعكس إدراكًا مُزريًا بأن العالم مضطر لاختيار بين تدخل أمريكي أو فوضى.
انهيار النظام العالمي.. والبحث عن بديل
مع تصاعد العزلة الأمريكية تحت حكم ترامب، بدأت أوروبا ودول أخرى تبحث عن خيارات بعيدًا عن المساعدات الأمريكية والعقوبات والضمانات الأمنية التي تقدمها واشنطن. لكن هذه المحاولات لا تزال أقرب إلى “التفكير بصوت عالٍ” منها إلى استراتيجيات عملية. فالعالم ليس مجهزًا لملء الفراغ الذي قد تتركه أمريكا، لا تقنيًا ولا نفسيًا.
التحدي المزدوج: تقني ونفسي
التحدي التقني: النظام المالي العالمي مرتبط بالدولار، والقواعد القانونية الدولية صُممت بأيد أمريكية. حتى التهديدات بفرض رسوم جمركية عشوائية كفيلة بهزّ الأسواق العالمية.
التحدي النفسي: كثيرون حول العالم كانوا يعتبرون أمريكا “شبكة أمان” ضد استبداد حكوماتهم. اليوم، حتى الحاصلون على الإقامة الدائمة يواجهون الترحيل أو المنع من الدخول.
ما بعد أمريكا: بين الفوضى والتحرر
ليس انهيار الهيمنة الأمريكية مجرد مصدر للذعر، بل قد يكون فرصة لإعادة تعريف النظام العالمي. فسقوط الوهم الأمريكي يكشف حقيقة مفادها أن “السلام والرخاء” كما روّجت لهما واشنطن كانا دائمًا خادمين لمصالحها، مدعومين بقوة السلاح والدعاية.
الخيار الآن ليس بين قيادة أمريكية متقلبة أو فراغ جيوسياسي، بل بين الاستمرار في التعلق بأوهام الماضي أو الشروع في بناء نظام متعدد الأقطاب قد يكون فوضويًا في البداية، لكنه ربما يكون أكثر إنصافًا على المدى الطويل.