الاقتصاد

ألمانيا تراهن على اتفاق عبر الأطلسي رغم تصعيد ترامب التجاري

بين بروكسل وواشنطن: هل يعيد ميرتس إحياء أمل الشراكة الاقتصادية؟

في الوقت الذي تشتد فيه السياسات الحمائية بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يراهن فريدريش ميرتس، المستشار الألماني المقبل، على أن التجارة الحرة ما تزال ممكنة لا بل ضرورية  من أجل استعادة الزخم الاقتصادي لألمانيا وأوروبا.

وبحسب تقرير نشرته POLITICO في 16 أبريل 2025، يواصل ميرتس تمسكه بإمكانية التوصل إلى اتفاق تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، رغم تصاعد التوترات التجارية والإجراءات الجمركية غير المسبوقة التي اتخذتها إدارة ترامب. هذا الموقف يعكس إيمان ميرتس العميق بقوة العلاقات عبر الأطلسي، المستند إلى خبرته الطويلة في مجالي الاقتصاد والسياسة، وقيادته السابقة لمؤسسات مثل “جسر الأطلسي” وفرع بلاك روك في ألمانيا.

رهان ميرتس يبدو في الوقت نفسه طموحًا ومحفوفًا بالمخاطر، في ظل تراجع عالمي في الالتزام بقواعد التجارة متعددة الأطراف، وواقع اقتصادي داخلي يتطلب حلولاً تتجاوز مجرد التفاؤل بالماضي.

الرهانات الاقتصادية في خضم العواصف

تأتي تصريحات ميرتس في توقيت حرج، إذ تواجه ألمانيا – صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا – ركودًا للعام الثالث على التوالي، في حين تتعرض صناعتها التصديرية، وعلى رأسها قطاع السيارات، لضغط مباشر من الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها ترامب: 10% على معظم السلع، و25% على الصلب والألمنيوم والسيارات. وقد أوقف ترامب مؤخرًا تطبيق رسوم إضافية بنسبة 20% ضد الاتحاد الأوروبي لمدة 90 يومًا لإفساح المجال أمام المفاوضات.

وفي مقابلة مع قناة RTL، قال ميرتس: “أفضل ما يمكننا القيام به هو أن نعمل جميعًا لتحقيق صفر رسوم جمركية على التجارة عبر الأطلسي. حينها ستُحل المشكلة.”

تحولات في الخطاب… وتحديات في الواقع

لكن هذا التفاؤل لا يخلو من التناقض. فبينما يؤكد ميرتس التزامه بالتعاون مع الولايات المتحدة، يعرب في الوقت نفسه عن ضرورة أن تتهيأ بروكسل لاحتمال نهاية المظلة الأمنية التي توفرها واشنطن عبر الناتو، مشددًا على أهمية “استقلالية أوروبا”. هذا التباين دفع بعض الخبراء، مثل لورا فون دانيلز من معهد الشؤون الدولية والأمنية في برلين، إلى القول إن ميرتس “يتأرجح بين دعم العلاقات الوثيقة مع أميركا والتحذير من تخليها عن التزاماتها تجاه القارة”.

وتعزز هذه الصورة تصريحات كلوديا مايور، الخبيرة في الشؤون الدفاعية، والتي وصفت الفصل الخاص بالولايات المتحدة في الاتفاق الائتلافي الألماني بأنه “أشبه بدعاءٍ nostalgique أكثر من كونه خطة عملية”.

العودة إلى الأمل القديم؟

لطالما كان التوسع في التجارة الحرة من ركائز “المعجزة الاقتصادية” الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، ويبدو أن ميرتس يسعى لاستعادة هذه الصيغة رغم التغيرات الجذرية في البيئة العالمية، من التوترات مع الصين إلى السياسات الحمائية الأميركية. ومع أن حكومته المقبلة تطمح إلى اتفاق تجارة حرة “على المدى المتوسط”، فإن تحقيق ذلك يتطلب بداية تخفيف التوترات وتفادي أي تصعيد تجاري وشيك.

لكن الواقع يبدو أكثر تعقيدًا. فالمفاوضات الجارية بقيادة مفوض التجارة الأوروبية ماروش شيفتشوفيتش لم تنجح حتى الآن في إحداث اختراق ملموس. وقال المتحدث باسم المفوضية، أولوف غيل، إن “أي تفاوض لا بد أن يكون طريقًا ذا اتجاهين”، في إشارة إلى ضرورة تقديم تنازلات متبادلة.

من اتفاق شامل إلى صفقات محدودة

يرى خبراء التجارة، مثل جوليان هينز من جامعة بيليفيلد، أن “عصر الاتفاقات الشاملة مثل الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي (TTIP) قد انتهى”، مضيفًا أن العالم بات يتجه نحو “اتفاقات قطاعية محدودة” بدلًا من الاتفاقات الكبرى.

وربما أدرك ميرتس هذه الحقيقة، إذ بدأ في الآونة الأخيرة بتعديل خطابه، مؤيدًا مبادرة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لإبرام اتفاق محدود مع الولايات المتحدة يُلغي الرسوم على المنتجات الصناعية.

ضرورة التوافق الأوروبي

نجاح ميرتس في هذا المسعى يتطلب حشد الدعم من بقية أعضاء الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسهم فرنسا ذات الميول الحمائية. وقال ميرتس في مقابلة مع المذيعة كارين ميوسغا: “عدد الدول التي تواصلت معنا مؤخرًا وعبّرت عن رغبتها في عقد اتفاقيات تجارة حرة لم يكن يومًا بهذا الحجم. إذًا، لنبدأ بذلك!”.

ومع اقتراب تنصيبه رسميًا كمستشار في السادس من مايو المقبل، يتطلع ميرتس إلى زيارة باريس في اليوم التالي للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطوة أولى نحو تشكيل جبهة أوروبية موحدة في مواجهة التحديات التجارية القادمة.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى