الوكالات

رحيل البابا فرنسيس: صوت الفقراء يخفت والعالم يبكي “راعي القلوب”

توقف قلب البابا فرنسيس عن النبض بعد صراع مرير مع المرض

في فجر الإثنين، 21 أبريل 2025، توقف قلب البابا فرنسيس، زعيم الكنيسة الكاثوليكية، عن النبض، بعد صراع مرير مع التهاب رئوي مزدوج، عن عمر ناهز 88 عامًا. لم يكن خبر وفاته صادمًا فحسب، بل كان بمثابة انطفاء شمعة نادرة في ظلمة هذا العالم، كان فيها البابا نورًا للفقراء، وملاذًا للمقهورين، وصوتًا إنسانيًا استثنائيًا في زمن كثرت فيه الأصوات الجافة.

في ظهوره العلني الأخير بساحة القديس بطرس خلال قداس عيد الفصح، بدا منهكًا، لكنّه أصرّ على توجيه كلمته الأخيرة… لم يطلب دعاءً لنفسه، بل طالب بوقف إطلاق النار في غزة، ودعا إلى حماية الأطفال والنساء، وقال كلمته التي ستبقى خالدة: “هذه ليست حربًا، بل قسوة لا يعرفها القلب الإنساني.”

ردود فعل باكية.. العالم يودّع ضميره الحي

الزعماء والرؤساء وأبناء الديانات جميعًا خفضوا رؤوسهم احترامًا لذكرى رجلٍ لم يكن فقط بابا، بل كان صديقًا للإنسانية. من واشنطن إلى موسكو، ومن باريس إلى أديس أبابا، توالت بيانات النعي، مشيدة بشجاعته الأخلاقية، ومواقفه النادرة في الدفاع عن العدالة والمهمشين، ووقوفه الصلب إلى جانب الإنسانية حيث سقطت السياسة.

الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن وصفه بأنه “ضمير هذا القرن”. فيما قال الرئيس الفرنسي إن “صوته كان يعلو فوق السلاح”. أما في الشرق الأوسط، فكانت كلمات الحزن أصدق، فقد وصفه أحد قساوسة غزة قائلًا: “لم يكن بعيدًا عنا، كان يتصل بنا كل ليلة، يسأل عن الأطفال بالأسماء، ويبكي معنا.”

غزة تبكي… وقديسها يرحل

في أكثر لحظات غزة ظلامًا، كان البابا فرنسيس نجمًا يتصل خفية بكنائسها الصغيرة، يسأل عن الأمهات المفجوعات، ويصلي لأطفال الدمار، ويطلب ألا يفقدوا الرجاء. لم تكن تصريحاته سياسية، بل إنسانية بكل تفاصيلها. قال مرة: “في غزة لا يُقتل الناس فقط، بل يُقتل معنى الرحمة.”

لم يتردد في وصف القصف الإسرائيلي بأنه “قساوة غير مبررة”، وطلب من المجتمع الدولي فتح تحقيق فيما إن كان ما يحدث هناك إبادة جماعية. بهذا الموقف، رفع البابا صوت من لا صوت له، متحديًا التوازنات السياسية ومصالح الدول.

موقف بابا الفاتيكان الراحل فرنسيس من قضية غزة

أظهر البابا فرنسيس، طوال فترة حبريته، مواقف واضحة وصريحة تجاه معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث دعا مرارًا إلى وقف العنف، وناشد المجتمع الدولي للتحرك العاجل من أجل السلام ورفع الحصار وتحقيق العدالة.

الإدانات العلنية للعدوان على غزة

في عدة مناسبات، أدان البابا استهداف المدنيين في غزة، مؤكدًا أن ما يحدث “انتهاك صارخ للقيم الإنسانية والأخلاقية”.

دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار خلال جولات التصعيد، مشددًا على ضرورة حماية الأبرياء وضمان وصول المساعدات الإنسانية.

دعمه للشعب الفلسطيني

وصف البابا فرنسيس الشعب الفلسطيني بأنه “شعب يعاني من الظلم والحرمان”، وطالب بحل عادل للقضية الفلسطينية يضمن حقوق الفلسطينيين في الحرية والكرامة.

دعا المجتمع الدولي إلى الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وإيجاد حل يقوم على أساس الدولتين، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

مناشداته الإنسانية

خلال العدوان على غزة عام 2023 و2024، ناشد البابا العالم قائلاً:
“قلبي مع غزة، ومع كل طفل يبكي تحت الأنقاض. أطلب من الجميع أن يتوقفوا لحظة ويفكروا: كم من الدماء يجب أن تُسفك قبل أن نتوقف؟”

كما دعا إلى فتح الممرات الإنسانية، وعبّر عن دعمه لمنظمات الإغاثة التي تعمل داخل القطاع، مثل “كاريتاس” و”الهلال الأحمر الفلسطيني”.

الصحف العالمية ترثي رجلاً نادراً

العناوين الكبرى هذا الصباح كانت مختلفة، ليس لأنها فقدت بابا، بل لأنها ودّعت إنسانًا قلّ مثيله.
“ضمير العالم يرحل”، “وداعًا صوت المقهورين”، “البابا الذي بكى لغزة” — بهذه العبارات صدّرت كبريات الصحف مثل نيويورك تايمز ولو موند والجارديان تغطياتها، متحدثة عن إنسانيته أكثر من لاهوته، وعن مواقفه أكثر من مناصبه.

من سيخلفه؟

بدأت الكنيسة الكاثوليكية استعداداتها لاختيار خليفة، لكن السؤال الذي يتردّد في أروقة الفاتيكان: من يمكنه أن يملأ فراغ رجل بحجم فرنسيس؟ يقود الكاردينال كيفن فاريل عملية الترتيب للفترة الانتقالية، بينما يتوقع المراقبون أن يُنتخب بابا جديد خلال أسابيع.

تشير التوقعات إلى احتمال اختيار بابا من إفريقيا أو آسيا، لكن ما يُجمع عليه الجميع: لا أحد يستطيع أن يكون فرانسيس آخر.

الإرث الخالد

سيبقى البابا فرنسيس خالدًا لا في كتب التاريخ فقط، بل في قلوب الملايين من كل الأديان، واللاجئين الذين قبّل جباههم، والمساجين الذين غسل أقدامهم، والفقراء الذين ناداهم بـ”أحبّائي”، وأطفال غزة الذين لم يعرفوه وجهًا لوجه، لكن عرفوا قلبه الكبير.

لقد رحل رجل  تحدّث باسم كل إنسان موجوع، وكل أم تبكي، وكل مظلوم يبحث عن صوت.

نهي حمودة

نهى حمودة هي صحفية ومحررة أولى بقطاع الأخبار في الهيئة العربية للإعلام، تمتلك خبرة واسعة في العمل الصحفي والإعلامي. عملت في العديد من المواقع الإلكترونية، حيث قدمت تغطيات إخبارية وتحليلات متميزة، مما عزز مكانتها في المجال الإعلامي. تتميز بمهاراتها التحريرية وقدرتها على تقديم محتوى دقيق ومهني يعكس التطورات المحلية والدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى