الوكالات

حرب ترامب المتجددة على الإرهاب: عودة إلى نهج 2001؟

حروب لا تنتهي بأدوات متجددة

بحسب مجلة The Economist، لم يمضِ سوى أقل من أسبوعين على تنصيبه، حتى أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوامره بشن غارة جوية على مجمع كهوف في الصومال يُعتقد أنه يأوي مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). سيباستيان غوركا، الذي يشغل حالياً منصب رئيس مكافحة الإرهاب، نقل تفاصيل اللحظة التي اتخذ فيها ترامب قراره قائلاً: “نظر من خلف مكتبه في البيت الأبيض وقال: اقتلوهم”. هذه الواقعة ليست مجرد عملية عسكرية منعزلة، بل تعبّر عن نهج واضح تتبناه الإدارة الأميركية الجديدة، يقوم على الحسم والردع المباشر في مواجهة التنظيمات المتطرفة. ومع توسع مسرح العمليات ليشمل اليمن والعراق وسوريا، يثور تساؤل جوهري: هل تعود الولايات المتحدة بالفعل إلى نمط التدخلات العسكرية الواسعة الذي أعقب هجمات 11 سبتمبر؟

موجة ضربات غير مسبوقة: تصعيد استراتيجي أم ارتجال تكتيكي؟
خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، شنت القوات الأميركية ما لا يقل عن 19 غارة جوية في الصومال، متجاوزة بذلك مجمل غارات إدارة بايدن خلال عام 2024. وفي اليمن، تتكرر الضربات يومياً ضد الحوثيين، بينما تستهدف العمليات في العراق وسوريا قادة جهاديين بارزين. هذا التصعيد يتعارض مع تعهدات ترامب بإنهاء “الحروب الأبدية”، ما يشير إلى تبدل في الأولويات يضع محاربة الإرهاب في صدارة أجندته الخارجية.

تفويض ميداني واسع: انخفاض عتبة استخدام القوة
من خلال نقل صلاحيات تنفيذ الضربات الجوية خارج مناطق الحرب النشطة من الرئيس إلى القيادات العسكرية الإقليمية، خفضت الإدارة عتبة اتخاذ القرار باللجوء للقوة. وزير الدفاع بيت هيغسث وصف أفريقيا بأنها “الجبهة الأمامية” ضد الإسلاميين، في حين تم تفكيك مكتب البنتاغون المعني بتقليل الأضرار المدنية، مما أثار مخاوف من تكرار أخطاء الماضي. هذه السياسة تتماشى مع توجه عام في الإدارة الحالية، التي تضم العديد من القادة السابقين في القوات الخاصة ممن يعارضون القواعد الصارمة التي حدّت سابقاً من قدرتهم على التحرك بحرية.

تهديدات متجددة: من القرن الأفريقي إلى البحر الأحمر
القلق الأميركي لا ينبع فقط من ماضي الجماعات الإرهابية، بل من إعادة تشكلها في ملاذات قديمة وجديدة. ففي الصومال، يُقدَّر عدد مقاتلي حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة بين 10,000 و15,000، وتُتهم بتدريب وتمويل عناصر يخططون لهجمات على الأراضي الأميركية. أما الحوثيون، فباتوا يشكلون تهديداً متزايداً للقواعد الأميركية في جيبوتي، وسط معلومات عن تعاون متنامٍ مع حركة الشباب، وتبادل للخبرات التقنية والعملياتية.

اقرأ ايضًا:

فايننشال تايمز: نتنياهو يشعل الداخل الإسرائيلي ويستعد لمواجهة إقليمية مع إيران

شجاعة محدودة: هل تؤدي القوة وحدها إلى النصر؟
رغم قوة الضربات الأميركية، يبقى تأثيرها موضع تساؤل. فالحوثيون صمدوا أمام عقد من القصف من السعودية والإمارات، ويبدو أن السياسة الأميركية تفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة في أفريقيا، كما يحذر مايكل شوركين، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية. في أبريل الجاري، قصفت الولايات المتحدة منشأة نفطية في رأس عيسى، مما أسفر عن مقتل 74 شخصاً حسب مصادر حوثية، ما أثار انتقادات داخلية حيال فاعلية وجدوى تلك العمليات.

نحو توسيع مفهوم “الإرهاب”: الكارتلات في مرمى النيران
قد لا يقتصر التصعيد على الشرق الأوسط وأفريقيا. ففي اليوم الأول من ولايته، صنّف ترامب الكارتلات المكسيكية كتنظيمات إرهابية. تقرير استخباراتي نشر في مارس، بإشراف تولسي غابارد، صنّف تهديد هذه الكارتلات أعلى من تهديد الجهاديين، مما أدى إلى زيادة نشاط الطائرات المسيرة وطائرات التجسس على طول الحدود مع المكسيك. شعار المرحلة، كما يردده غوركا داخل مكتبه: “سنجدهم وسنقتلهم”.

 إرث ترامب العسكري بين الردع والجدل
سياسة ترامب الحالية تعكس توجهاً أكثر عدوانية، لكن الأسئلة تظل قائمة: هل تستطيع الغارات الجوية وحدها القضاء على التهديدات الإرهابية؟ وهل يعود الأميركيون إلى النهج الذي تبنوه بعد 11 سبتمبر دون مراجعة لأخطائه؟ مع غياب المساءلة المدنية وضعف المعايير الحقوقية، يخشى المراقبون من أن تكون الولايات المتحدة بصدد إعادة تدوير أخطاء الماضي في عباءة جديدة.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى