الوكالات

من القاهرة إلى نيويورك: كيف يعيد ترامب إنتاج الاستبداد على الطريقة الأميركية

 كيف تسير الولايات المتحدة على خطى الأنظمة القمعية

عندما هاجرت من مصر إلى الولايات المتحدة عام 2000، كنت أعتقد أنني تركت وراءي حكمًا استبداديًا باحثةً عن وطن أكثر حرية. لكن بعد 25 عامًا، أرى بوضوح كيف أن بلدي الجديد يسير بخطى متسارعة نحو المآسي التي خبرتها في وطني الأم. فبين تغول سلطة الدولة، وهيمنة الدين على السياسة، والرقابة المتزايدة على الثقافة والإعلام، أجد أن المشهد الأميركي بات يعكس، بصورة مقلقة، معالم الأنظمة القمعية التي تركتها خلفي. وفقًا لتقرير الجارديان

مكالمات عبر القارات: ديكتاتوران لكل طرف من الهُوية

في مكالمات الفيديو الأسبوعية مع والديّ المقيمين في القاهرة، يتحول الحديث دائمًا إلى لعبة سؤال معتادة: “ماذا فعل الآن؟” — في إشارة إلى دونالد ترامب. بينما أسألهم عن عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه ترامب ذات يوم بـ”ديكتاتوري المفضل”، يسود شعور ساخر بأننا، نحن المصريين-الأميركيين، نُحاصر بين ديكتاتورين، أحدهما لكل جانب من خط الهوية المزدوجة الذي نحمله.

خيبة أمل متجددة: انتظار ثورة لا تأتي

مع كل كارثة سياسية شهدتها الولايات المتحدة — من أكاذيب غزو العراق إلى تقويض حقوق الإجهاض، وصولًا إلى الدعم الأميركي للإبادة الجارية ضد الفلسطينيين في غزة — كنت أتصور أن الغضب الشعبي سينفجر يومًا ما. ولكن رغم تزايد بطش السلطة، وبروز محاولات النظام الجديد لاستهداف الإعلام والتعليم والقضاء، لا تزال الثورة المنتظرة بعيدة المنال.

الغرور الأبيض: استهانة بالمخاطر وصناعة الوهم

خلال أكثر من عقدين في الولايات المتحدة، لاحظت أن معظم الأميركيين البيض يفضلون مقارنة أنفسهم بروسيا أو المجر بدلاً من بلدان يحكمها قادة ذوو بشرة سمراء أو سوداء. إذ يصعب على الكثيرين هنا تصور أن بلدهم قد يسقط فريسة للفاشية، خاصة عندما يُقدم التهديد في عباءة بيضاء ومسيحية مألوفة. هذا العمى الاختياري يعكس امتيازًا عنصريًا عميقًا، ويؤجج شعوري بالغضب من حالة اللامبالاة المروعة.

وهم المؤسسات: إيمان طفولي بالحماية المفقودة

في الوقت الذي يراهن فيه الكثير من الأميركيين البيض على قوة المؤسسات لحمايتهم من الاستبداد، يعرف السود والسكان الأصليون والملونون جيدًا أن هذه المؤسسات كثيرًا ما كانت أدوات قمع ضدهم. ولذلك، فإن أولئك الذين خبروا قسوة الأنظمة الديكتاتورية، سواء في العالم العربي أو خارجه، هم الأكثر قدرة على تمييز علامات الفاشية عندما تلوح في الأفق.

ديمقراطية زائفة: تصاعد التيار المسيحي القومي

حين كنت أجري مقابلات مع قادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، كان ردهم المعتاد على كل سؤال هو: “الإسلام هو الحل”، تعبيرًا عن طموحهم لإقامة دولة دينية. اليوم، أرى مشهدًا مشابهًا يتكرر في الولايات المتحدة، حيث يسعى التيار القومي المسيحي الأبيض إلى فرض رؤيته الخاصة تحت شعار ضمني: “المسيحية البيضاء هي الحل”. مدعومًا بقوة سياسية متزايدة، يحاول هذا التيار تحويل الدين إلى أداة للسيطرة السياسية، دون أن يحظى بالمساءلة الإعلامية المكثفة التي كانت سترافق حركات إسلامية مشابهة. هذه الازدواجية في التعاطي الإعلامي تعكس تحيزًا واضحًا، يساهم في تبييض مشروع قومي خطير، يهدد الديمقراطية التي يتفاخر بها الغرب.

ضحايا الدين وصمت الإعلام

كفنانة نسوية، يؤلمني بوجه خاص صمت الإعلام الأميركي تجاه الأثر المدمر للهيمنة الدينية على حقوق النساء في الولايات المتحدة. خلال ولاية ترامب الحالية، تم تقويض مبادرات التنوع والشمول، ومنع التمويل الفيدرالي لخدمات الإجهاض، وأُلغيت الحماية الفيدرالية لحق النساء في الإجهاض. والأسوأ أن كثيرًا من النساء البيض كن جزءًا نشطًا من هذه الجهود الرجعية، دون أن تحظى أدوارهن بنفس التدقيق الذي يُسلط عادةً على النساء المسلمات في الشرق الأوسط.

المقاومة القادمة: غضب مؤجل لكنه محتوم

بعد 25 عامًا في أميركا، تحولت إلى نسوية أناركية، أؤمن بأن الغضب ضرورة وليست خيارًا. بدأت قبل عامين تدريبات القوة البدنية، فأصبحت قادرة على رفع أوزان تفوق وزني. يبدو هذا التطور الشخصي مناسبًا لمرحلة سياسية تحتاج إلى مقاومة قوية وصلبة. فكما يتباهى الفاشيون بعضلاتهم، حان وقت أن نجعل من النسوية سلاحًا خطيرًا.
الغضب قادم. لا بد أن يأتي.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى