جويل سوزا: المخرج الذي نجا من الرصاصة وأكمل فيلمه رغم الألم
"حادثة موقع تصوير تحوّل حلمًا سينمائيًا إلى مأساة إنسانية، وسوزا يتمسك بإنهاء الفيلم تكريمًا لروح زميلته الراحلة."

لم يكن المخرج الأمريكي جويل سوزا يومًا محبًا للأسلحة النارية، بل لطالما ابتعد عنها بسبب نفوره الشديد منها، كما صرّح من منزله في بليزانتون، كاليفورنيا. لكن القدر وضعه في قلب واحدة من أكثر الحوادث المأساوية في تاريخ صناعة السينما المعاصرة، حين أُصيب برصاصة خلال تصوير فيلمه “Rust”، وأودت الرصاصة نفسها بحياة مديرة التصوير الأوكرانية هالينا هاتشينز.
حادثة مميتة تهز موقع التصوير
في أكتوبر 2021، وخلال التحضيرات لتصوير أحد مشاهد الفيلم بمدينة سانتا فيه في ولاية نيو مكسيكو، انطلقت رصاصة حية من مسدس كان بيد الممثل أليك بالدوين. الرصاصة، التي لم يكن يُفترض أن تكون حقيقية، قتلت هاتشينز وأصابت سوزا في كتفه. في تصريح مؤثر، قال سوزا: “كنت أعلم أنني أتنفس، لكنني لم أكن أعرف ما الذي يمكن أن يحدث لاحقًا”.
تحقيقات وأحكام ومواصلة التصوير
التحقيقات التي أعقبت الحادث وُصفت بأنها شاملة، وأسفرت عن توجيه اتهامات للعديد من الأطراف. ورغم إسقاط التهم عن بالدوين لاحقًا، أُدينت مشرفة الأسلحة، هانا غوتيريز-ريد، وحُكم عليها بالسجن 18 شهرًا. ومع ذلك، وبتشجيع من عائلة هاتشينز، استُكمل تصوير الفيلم بعد 18 شهرًا، في قرار مثير للجدل. وقد أوضح سوزا: “لم أكن أستطيع أن أتحمل فكرة أن يُكمل أحد غيري هذا الفيلم”.
علاقة معقدة مع الماضي
رغم العمل مجددًا مع أليك بالدوين، يؤكد سوزا أن العلاقة بينهما أصبحت “غير موجودة”. أما من الناحية الجسدية، فما يزال يعاني من آثار الإصابة، إذ يقول: “أحيانًا تكون جيدة، وأحيانًا أشعر وكأن النار تشتعل في كتفي”.
إصرار على الجمالية والرسالة
تمسك سوزا باستكمال “Rust” برؤية فنية تحافظ على لمسة هالينا هاتشينز، بمساعدة زميلتها بيانكا كلاين. وأصر على اختيار مديرة تصوير امرأة رغم التحديات، منسجمًا مع قناعته بأن الإبداع لا يُحصر بجنس أو خلفية.
الفيلم الذي يحمل في مضمونه رسائل عن الذنب والتكفير، لم يتخلَّ عن مشاهد إطلاق النار، لكنه استثنى المشهد الذي تسبب بالمأساة. ويعكس السيناريو في جوهره قصة إطلاق نار عرضي، ما يمنح العمل بُعدًا رمزيًا مؤثرًا.
تكريم الضحية وأمل بالتغيير
في لمسة وفاء، منح سوزا هاتشينز المركز الثاني في تترات النهاية، وكتب اسمها بالإنجليزية والأوكرانية، مصحوبًا بجملتها الشهيرة: “كيف يمكننا أن نحسّن؟”، التي اعتبرها مبدأً للحياة والعمل.
رغم الألم، يأمل سوزا أن يُسهم الفيلم في تعزيز وعي صناعة السينما بأهمية السلامة. إلا أنه لا يخفي تشاؤمه من واقع مستمر: “ما زالت هناك قناعة عند البعض بأن ما حدث لنا كان مجرد سوء حظ”، في إشارة إلى غياب إجراءات صارمة تمنع تكرار مثل هذه الحوادث.