الأمم المتحدة: الحياة في أوكرانيا أصبحت أكثر خطورة منذ بدء محادثات وقف إطلاق النار
القصف الروسي يتكثف رغم الوساطة الأميركية: سلام هش في مرمى الصواريخ

في الوقت الذي انطلقت فيه مفاوضات الهدنة بين روسيا وأوكرانيا منذ فبراير، كان يُفترض أن يشهد الوضع الإنساني تحسناً ملموساً، لكن المؤشرات القادمة من الأمم المتحدة ومصادر ميدانية مستقلة ترسم صورة أكثر قتامة. فبدلاً من الانفراج، ازدادت وتيرة الخطر المحدق بالمدنيين، وارتفعت حصيلة الضحايا بشكل مقلق مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. هذا التصعيد، الذي تزامن مع تغيّر واضح في نمط الضربات الروسية، ألقى بظلاله على جدوى مفاوضات السلام الجارية، وفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول صدقية الأطراف والتزامها بتخفيف المعاناة الإنسانية. فبينما يروّج الخطاب السياسي لآفاق تهدئة، تؤكد الأرقام والوقائع اليومية أن الحياة في أوكرانيا تزداد هشاشة، ما يثير مخاوف من أن تكون مفاوضات الهدنة غطاء مؤقتًا لا أكثر، وسط استمرار التهديدات وتصاعد العمليات العسكرية.

تصاعد خطير في أعداد الضحايا رغم المحادثات
في عرض قُدم للدبلوماسيين في نيويورك هذا الأسبوع، أعلنت الأمم المتحدة أن القتال والغارات الروسية أسفرت عن مقتل أو إصابة 848 مدنيًا خلال أول 24 يومًا من أبريل، أي بزيادة 46% مقارنة بنفس الفترة في 2024. وتشير هذه الإحصاءات إلى أن المحادثات لم تواكبها تهدئة ميدانية، بل العكس، تزايدت الهجمات الصاروخية والجوية الروسية على المدن، بما في ذلك استهداف مناطق مدنية بحتة كالملاعب والطرقات السكنية.
هجمات مركزة ومكثفة: استراتيجية روسية جديدة
التحليل العسكري يُظهر أن روسيا غيّرت تكتيكاتها. فبدلاً من توجيه ضربات متفرقة في أنحاء متفرقة من أوكرانيا، باتت تركز على قصف مكثف لمدينة واحدة في الليلة الواحدة، ما يعجز الدفاعات الجوية الأوكرانية ويزيد من الخسائر البشرية والمادية. من الأمثلة البارزة على هذه السياسة، الهجوم الصاروخي على مدينة كريفي ريه في 4 أبريل، الذي أودى بحياة تسعة أطفال من أصل 19 ضحية، إثر سقوط صاروخ قرب ملعب أطفال.

سباق ميداني قبل تثبيت التفاهمات
يؤكد محللون، كصامويل شاراب من مؤسسة راند، أن تصاعد العنف أثناء مفاوضات السلام أمر شائع في النزاعات المسلحة. فالأطراف المتحاربة تسعى لتحسين مواقعها ميدانيًا قبل تثبيت وقف إطلاق النار. وقد شهدت أوكرانيا نمطًا مشابهًا في حربي 2014 و2015، حين استغلت روسيا فترات التفاوض للسيطرة على مدن استراتيجية، مثل إيلوفايسك وديبالتسيفي، ما مكنها من فرض شروط سياسية لاحقة.
الموقف الشعبي: الخوف من سلام مفروض
تنامي الهجمات الروسية ترك أثرًا نفسيًا عميقًا في نفوس المدنيين. تقول أولينا خيركوفسكا، محاسبة فقدت منزلها في قصف على كييف في 24 أبريل، إن “الرسالة من موسكو واضحة: نحن أقوياء، اخضعوا لنا”. وتضيف أن هذا التصعيد “لا يعكس نية حقيقية في السلام، بل محاولة لإرغامنا على قبول اتفاق غير عادل”.

جهود تفاوضية تتأرجح في ظل النار
بدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب جهود الوساطة في 12 فبراير، عبر اتصالات هاتفية مباشرة مع كل من فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي. تلا ذلك لقاءات منفصلة مع وفدي الطرفين في جدة بالمملكة العربية السعودية، حيث وافقت أوكرانيا مبدئيًا على هدنة غير مشروطة لمدة 30 يومًا، بينما اقترحت موسكو هدنة جزئية لحماية منشآت الطاقة. غير أن الطرفين تبادلا الاتهامات بانتهاك الاتفاق، رغم انخفاض نسبي في العنف خلال بعض فترات التهدئة القصيرة مثل عيد الفصح.
تصعيد تقني وتوسيع لقدرات التدمير
شهدت الشهور الأخيرة استخدامًا مكثفًا للطائرات المسيّرة، حيث أطلقت روسيا 4,694 صاروخًا وطائرة مسيّرة على أوكرانيا خلال 30 يومًا فقط بعد بدء المفاوضات، مقارنة بـ1,873 قبلها. ويرجع ذلك جزئيًا إلى تشغيل مصنع روسي جديد لصناعة طائرات “شاهد” الإيرانية التصميم، حسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. لكن الأهم هو تحوّل روسيا إلى نمط تدميري أكثر شراسة، يهدف إلى ترويع السكان وإرغام كييف على التنازل.

الخسائر الإنسانية: أرقام فادحة وشتات متزايد
أعلنت الأمم المتحدة أن الفترة بين يناير ومارس من هذا العام شهدت مقتل أو إصابة أكثر من 2,641 مدنيًا في أوكرانيا، بزيادة تقارب 900 عن الفترة نفسها من العام الماضي. كما تسببت الهجمات في أبريل وحده بتهجير نحو 40,000 شخص، ليرتفع عدد النازحين داخليًا إلى 10.7 مليون منذ بدء الحرب. وفي أحدث موجة من الضربات، أُطلق 150 مسيّرة روسية ليلة الجمعة، أسقط معظمها، لكن بعضها خلّف عشرات الجرحى في زابوريجيا وخاركيف.

ضغوط دولية دون أثر فعلي
الرئيس زيلينسكي عبّر عن امتعاضه مما وصفه بـ”التراخي الدولي”، داعيًا إلى فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا. وقال في منشور على فيسبوك: “لا بد من الضغط الحقيقي، لا الكلام المجرد، لإجبار موسكو على وقف النار”. ورغم اقتراح بوتين لهدنة جديدة بمناسبة الذكرى الخمسين لنهاية الحرب العالمية الثانية، يبدو أن نهاية هذا الصراع ما تزال بعيدة، كما ألمح نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس الذي قال: “لا نهاية قريبة في الأفق، وسنعمل خلال المئة يوم المقبلة على تضييق هوة الخلافات بين الطرفين”.
في ظل هذه المعطيات، يتضح أن مسار السلام ما يزال هشًا ومحمّلًا بالتناقضات، في وقت يدفع فيه المدنيون الأوكرانيون الثمن الأعلى من دمائهم وأمنهم اليومي