شخصيات و شركات ملهمة

هاري والميكروفون المفتوح: عندما تتحول الرغبة في المصالحة إلى عرض إعلامي

رسالة لم تُكتب: لماذا لا تزال دبلوماسية الأمير هاري تفشل في تحقيق التقارب؟

في خطوة أثارت الاستغراب أكثر من التعاطف، عاد الأمير هاري إلى واجهة الإعلام عبر مقابلة مطولة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، أعاد فيها فتح ملف الحماية الأمنية لعائلته خلال زياراتهم المحتملة إلى بريطانيا. تزامن ظهوره الإعلامي مع نهاية أسبوع سياسية مشحونة في البلاد، ما جعل من شكواه الخاصة مادة دسمة للصحف، ونجحت  ولو جزئياً  في سحب الأضواء من نتائج الانتخابات المحلية وصورة نايجل فاراج المنتشية بفوز حزبه الجديد. لكنّ التوقيت، كما الرسالة، بدا منفصلاً عن واقع اللحظة البريطانية، ومشحوناً بإحساس مبالغ بالذاتية، كما لو أن همومه الشخصية تحتل أولوية وطنية.

تكرار الشكوى لا يصنع تعاطفاً

المقابلة الأخيرة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التظلمات التي يشاركها دوق ساسكس منذ انتقاله إلى كاليفورنيا، بدءاً من مقابلات تلفزيونية ووثائقيات، وصولاً إلى كتابه المثير للجدل Spare. وبالرغم من تعدد المنابر، فإن فحوى الشكاوى يكاد لا يتغير: الإحساس بالخذلان، والمؤامرات، وحرمانه من الحماية المستحقة. لكن الواقع يشير إلى أن الجمهور البريطاني، بل وحتى المؤسسة الملكية، قد توقفت منذ زمن عن الإصغاء بجدية. خطاب الضحية الذي يصر الأمير على اعتماده لم يعد يُقنع أحداً، بل قد يزيد من تعميق الهوة التي يحاول  نظرياً  ردمها.

ذكرى وطنية يغيب عنها أمير سابق

ما يزيد من مفارقة التوقيت هو أن بريطانيا كانت على وشك الدخول في أسبوع احتفالي لإحياء الذكرى الـ80 لانتصارها في الحرب العالمية الثانية – مناسبة تحتفي فيها البلاد بروح الخدمة والتضحية. الأمير هاري، الذي يفاخر بتاريخه العسكري، اختار أن يغيب عن هذه اللحظة الجامعة، مفضلاً الحديث عن نفسه. وبينما كانت الطائرات تستعد للتحليق فوق المدن البريطانية، كان الأمير يجلس في بيت خاص بكاليفورنيا ليعلن أن وضعه كـ”أمير” لم يتغير، وأن مؤامرة مشابهة لما واجهته والدته، الأميرة ديانا، ما تزال تحيط به. في ظل هذا الخطاب، تبدو محاولات المصالحة التي يعلن عنها مجرد غطاء لرغبة مستمرة في تسليط الضوء.

أحكام قضائية وواقعية سياسية

من خلال انتقاده للجنة RAVEC، التي تتولى تقييم الحاجة الأمنية للشخصيات العامة، يأمل الأمير أن يتدخل والده الملك في مسار قضائي أُغلق فعلياً. غير أن النظام الدستوري البريطاني لا يسمح للملك – حتى لو رغب – بالتأثير على قرارات المحاكم، وهو ما تجاهله هاري إما عن جهل أو عن تجاهل. ومثلما لفت القضاة في أحدث قضاياه، فإن طلبه بالحصول على حماية ممولة من المال العام سبق النظر فيه ورفضه عدة مرات. هنا، يطفو على السطح خلل في فهم الأمير لطبيعة النظام البريطاني، وكأن تجربته الخاصة تجعله استثناءً من القواعد التي يخضع لها الجميع.

رسالة بسيطة كان يمكن أن تُرسل بالبريد

في ظل كل هذا الضجيج الإعلامي، يبقى سؤال جوهري: هل يريد هاري فعلاً مصالحة حقيقية؟ إذا كانت الإجابة نعم، فإن الوسيلة لا تكون بمقابلة صحفية أخرى، بل ربما برسالة شخصية، مختومة بطابع بريدي، موجهة إلى والده. يعرف تماماً عنوان القصر. وبعيداً عن أضواء الكاميرات، كان بإمكانه أن يبدأ حواراً هادئاً، يتسم بالصدق لا بالاتهام. لكنّ اختياره لما يشبه “دبلوماسية الميكروفون” لا يشير إلى رغبة في تقارب، بل إلى رغبة في تأكيد سردية مظلومية فقدت وقعها، وبدت، في توقيتها ومضمونها، وكأنها محاولة أخيرة للفت الانتباه، لا لمدّ الجسور.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى