أسعار النفط تتراجع بشكل حاد قبيل اجتماع “أوبك+”: عوامل ضاغطة وتوقعات قاتمة

سجّل سوق النفط العالمي أكبر خسارة أسبوعية له منذ عام 2021، في ظل تزايد الضغوط على الطلب، وزيادة الإنتاج، وتراجع شهية المستثمرين. فبحسب بيانات السوق، انخفض سعر خام برنت بنسبة 8% خلال الأسبوع المنتهي ليصل إلى 61.29 دولارًا للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 7.7% ليستقر عند 58.29 دولارًا.
يأتي هذا التراجع العنيف قبل أيام من اجتماع حاسم لتحالف “أوبك+”، وسط تساؤلات متزايدة حول فعالية التحالف في إدارة التوازن بين العرض والطلب في ظل تحولات هيكلية تطال الاقتصاد العالمي.
قرارات إنتاجية مثيرة للجدل من “أوبك+”
في خطوة أثارت مخاوف الأسواق، أعلن تحالف “أوبك+” عن رفع إنتاجه بمقدار 411 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من يونيو المقبل، ضمن خطة تدريجية لإعادة 2.2 مليون برميل يوميًا إلى الأسواق العالمية. القرار الذي يضم السعودية، روسيا، العراق، كازاخستان، الجزائر، الإمارات، عُمان والكويت، عكس توجّهًا جديدًا لدى المنتجين نحو استعادة الحصص السوقية على حساب دعم الأسعار.
مصادر داخل التحالف كشفت لوكالة “رويترز” عن ضغوط تمارسها دول مثل العراق وكازاخستان للاستمرار في مستويات إنتاج مرتفعة، رغم تجاوزها لحصصها، مما زاد من الضغوط على الأسعار في ظل التزام ضعيف من بعض الأعضاء.
ضغوط الطلب العالمي: تباطؤ في الشرق وتعثر في الغرب
تعكس البيانات الاقتصادية تباطؤًا حادًا في الطلب على الطاقة، لا سيما في الصين وأوروبا. ففي الصين، لم يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.2% خلال الربع الأول، مع تراجع واردات النفط بنسبة 6%، ما يعكس ضعف النشاط الصناعي.
في المقابل، تسود أجواء الانكماش في أوروبا، مع تسجيل ركود صناعي في ألمانيا وإيطاليا، بينما توقعت المفوضية الأوروبية انكماش منطقة اليورو بنسبة 0.3% في الربع الثاني. هذا الانكماش انعكس مباشرة على استهلاك الوقود والمشتقات البترولية.
الولايات المتحدة، من جانبها، حافظت على أسعار فائدة مرتفعة عند 5.5%، ما عزز قوة الدولار وأدى إلى ارتفاع تكلفة شراء النفط بالدولار على الدول الأخرى، ليشكل عامل ضغط إضافي على الطلب العالمي.
قلق المستثمرين ينعكس على الأسواق المستقبلية
تشير بيانات “CME Group” إلى أن المستثمرين اتجهوا خلال الأيام الماضية إلى تقليص مراكز الشراء على عقود النفط، مع تزايد الطلب على “خيارات البيع” Put Options عند مستوى 60 دولارًا للبرميل، في مؤشر على التشاؤم السائد في السوق.
كما تراجعت مراكز الشراء الطويلة الأجل لأدنى مستوياتها منذ جائحة كورونا، مما ساهم في تقلبات سعرية حادة خلال جلسات الأسبوع.
شركات النفط العملاقة تحت ضغط هوامش الربحية
لم تكن الشركات الكبرى في منأى عن هذه التقلبات. فقد أعلنت “إكسون موبيل” عن أرباح بقيمة 7.7 مليار دولار في الربع الأول من 2025، بانخفاض طفيف بنسبة 6.2% عن نفس الفترة من العام الماضي. ورغم ذلك، فقد تجاوزت النتائج توقعات السوق.
أما “شيفرون”، فقد سجّلت تراجعًا حادًا في الأرباح بلغ 36%، محققة 3.5 مليار دولار فقط، وسط ضعف في هوامش التكرير، وتباطؤ في إنتاج النفط الخام.
وتوقعت تقارير من “S&P Global” أن تشهد “أرامكو” السعودية انخفاضًا في أرباحها يتراوح بين 12 و15%، مع استمرار انخفاض أسعار النفط وتراجع الطلب الآسيوي.
توترات جيوسياسية ومخاطر ممتدة
ورغم أن التوترات في مضيق هرمز لم تتصاعد إلى مستويات حرجة، فإن استمرار الحرب في أوكرانيا والقيود المفروضة على صادرات روسيا النفطية خلق نوعًا من التشوه في مسارات التجارة العالمية، ما دفع الخام الروسي إلى البيع بخصومات كبيرة، زادت من المعروض في السوق وأثرت على الأسعار.
كما استمر الاتحاد الأوروبي في تشديد القيود على السفن التي تتجاوز سقف السعر المفروض على الخام الروسي، ما زاد من الضغط على الأسواق المتخمة أصلًا بالإمدادات.
رؤى المؤسسات الدولية: سيناريوهات قاتمة لأسعار النفط
توقعت وكالة الطاقة الدولية (IEA) تباطؤًا ملحوظًا في نمو الطلب على النفط العالمي، مشيرة إلى دور مصادر الطاقة المتجددة في الأسواق المتقدمة، خاصة في أوروبا وكندا.
من جانبها، خفضت “غولدمان ساكس” توقعاتها لأسعار النفط، مشيرة إلى أن سعر برنت قد لا يتجاوز 62 دولارًا للبرميل بنهاية 2025. كما حذّرت من سيناريو قد ينخفض فيه السعر إلى ما دون 40 دولارًا في حال حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي أعمق.
أما بنك “جي بي مورغان”، فاعتبر أن السوق سيظل متخمًا حتى نهاية العام، داعيًا المستثمرين إلى التريث، وتجنب الاستثمارات المفرطة في الطاقة التقليدية.
المستوردون الكبار: استفادة محدودة من الأسعار المنخفضة
أبرز المستفيدين من هذا التراجع كانت الهند، التي قلّصت من فاتورتها النفطية، ما ساعد على تقليص العجز المالي بنسبة 0.6%. بينما استغلت الحكومة الفرصة لخفض دعم الوقود، وتحقيق توازن أكبر في ميزان المدفوعات.
في أوروبا، تراجعت واردات النفط الروسي إلى أقل من 5% من الإجمالي لأول مرة، مع ارتفاع الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال. أما الصين، فاستفادت صناعاتها من انخفاض أسعار النفط، مما أدى إلى خفض تكلفة النقل والإنتاج بنسبة 2.3%، حسب بيانات “Caixin”.
هل نحن على أعتاب أزمة أسعار جديدة؟
التراجع الحاد في الأسعار ليس مجرد حركة مؤقتة، بل هو انعكاس لتحولات هيكلية في أسواق الطاقة، ترتبط بمزيج من التباطؤ الاقتصادي، والإفراط في الإنتاج، وتقلبات سياسية متزايدة. ومع استمرار الضبابية بشأن الطلب، واستعداد “أوبك+” لزيادة الإمدادات، تلوح في الأفق إمكانية أن تظل الأسعار عند مستويات منخفضة أو حتى أن تشهد المزيد من الهبوط.
المراقبون يتوقعون أن يكون اجتماع “أوبك+” القادم نقطة تحول، إما لاحتواء النزيف السعري عبر خفض جديد، أو للاستمرار في نهج استعادة الحصة السوقية، ما قد يُدخل السوق في مرحلة جديدة من الحرب السعرية.