الوكالات

نتنياهو يلوّح باجتياح جديد لغزة: هل تقترب الحرب من نهايتها أم تدخل مرحلة أشد؟

خطة تصعيد عسكري واسعة النطاق دون ضمانات للنجاح

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الحرب ضد حماس لم تنته بعد، متعهداً بإطلاق مرحلة جديدة من العمليات العسكرية تشمل تعبئة عشرات الآلاف من جنود الاحتياط للعودة إلى قطاع غزة. ورغم نبرة الحسم التي اعتمدها نتنياهو، فإن خبراء عسكريين ومسؤولين سابقين شككوا في جدوى هذا التحرك، مؤكدين أن القوة وحدها لن تحقّق الأهداف الإسرائيلية المعلنة بعد مرور 18 شهراً على بدء الصراع. حسب ما جاء فى صحيفة نيويورك تايمز

في تصريحاته الأخيرة، قال نتنياهو: “سنُكمل العملية بجيش موحّد، قوي، وجنود عازمين على النصر”. وقد وافق مجلسه الأمني المصغّر على التوسّع في القتال، وسط تكهنات بأن العملية قد تتسارع قبل زيارة مرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط الأسبوع المقبل. مع ذلك، فإن اثنين من جنود الاحتياط، تحدثا لوسائل إعلام بشرط عدم الكشف عن هويتهما، أكدا تلقيهما أوامر تعبئة تبدأ في يونيو، مما يرجّح أن التصعيد الكامل لم يبدأ بعد.

التجربة الماضية: كلفة باهظة بلا نتائج حاسمة

منذ الهجوم الذي شنّته حماس في 7 أكتوبر 2023 وأسفر عن مقتل 1,200 شخص داخل إسرائيل، وموجة الردود العسكرية العنيفة التي تلت ذلك، فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق هدفين محوريين: القضاء على حماس بشكل نهائي، واستعادة كافة الرهائن. فرغم تعبئة 360 ألف جندي احتياطي آنذاك، إلى جانب الجيش النظامي البالغ قوامه نحو 170 ألفاً، بقيت نتائج الحرب دون ما وعدت به القيادة السياسية والعسكرية.

وقد قال تمير هايمان، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية والمدير الحالي لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إن الاستراتيجية الحالية بلغت حدّ الإنهاك. وأضاف: “إنهاء حماس كتنظيم إرهابي عبر القوة العسكرية وحدها أمر بالغ الصعوبة. لقد أُنهكت هذه المقاربة”. واعتبر أن الوقت حان لإغلاق هذه الجولة من الحرب، خاصة في ظل تراجع قدرات حماس بشكل كبير.

قوات عسكرية إسرائيلية قرب الحدود مع غزة، الأحد.

تصعيد جديد وسط أزمة إنسانية خانقة

منذ انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في مارس الماضي، أغلقت إسرائيل أبواب المساعدات الإنسانية إلى غزة، بما في ذلك الغذاء والدواء، فيما كثّفت ضرباتها الجوية. وفي ظل هذا التصعيد، تستعد الحكومة الإسرائيلية الآن لإطلاق حملة برّية جديدة بهدف اجتياح مدن غزة الرئيسية، وفرض استسلام حماس التام.

لكن الخطر الحقيقي، وفق مراقبين، يكمن في أن هذا التصعيد قد لا يؤدي إلى نهاية النزاع، بل إلى دورة جديدة من العنف تعمّق الكارثة الإنسانية، وتزيد من المخاطر على الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين. وقد أصدرت عائلات هؤلاء الرهائن بياناً حذّرت فيه من أي تحرّك عسكري واسع النطاق، قائلة: “توسيع العمليات يضع حياة كل رهينة في خطر جسيم. نناشد صانعي القرار: أعطوا الأولوية للرهائن. أبرموا اتفاقاً. أعيدوهم إلى ديارهم قبل فوات الأوان”.

مطبخ خيري في جباليا الشهر الماضي. منذ انهيار وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين في مارس/آذار، منعت إسرائيل وصول الغذاء والدواء وغيرها من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

الانقسام الداخلي: هل يدفع نتنياهو فاتورة سياسية؟

من جهته، انتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الخطط الحكومية، واصفاً إياها بالغامضة وغير المحددة. وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي: “ما هو الهدف؟ لماذا يتم استدعاء الاحتياط؟ ما فائدة تمديد الخدمة العسكرية إذا لم نحدد الهدف؟ هكذا لا تُخاض الحروب”. ويعتقد مراقبون أن تصعيد نتنياهو ربما يحمل دوافع سياسية داخلية، تهدف لطمأنة أنصاره من اليمين المتطرف الذين شعروا بخيبة أمل من عدم استكمال “تدمير” حماس حتى الآن.

وكان بعض المسؤولين الإسرائيليين قد أشاروا إلى أن الحملة العسكرية المكثفة العام الماضي أجبرت حماس على الإفراج عن بعض الرهائن والموافقة على هدنة في يناير. لكنّ ذلك لم يفضِ إلى حل دائم، بل أعاد الأزمة إلى نقطة البداية، حيث تعثرت الجهود الأميركية الأخيرة لفرض وقف جديد لإطلاق النار، وسط تمسك كل طرف بمطالبه: حماس تطلب إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية، وإسرائيل تصر على نزع سلاح حماس بالكامل.

دمار في جباليا، غزة، الشهر الماضي. خلال الحرب، قصفت القوات الإسرائيلية مقاتلي حماس، ووقع سكان غزة ضحايا.

مسار غامض في غياب حل سياسي

في ظل هذا الوضع المعقّد، ومع انعدام آفاق الحل السياسي، تتصاعد المخاوف من أن تصبح جولة الحرب القادمة تكراراً مأسوياً لما سبق، دون تحقيق اختراق حقيقي في الميدان أو السياسة. وبالنسبة لنتنياهو، فإن اللعب بورقة “العملية الحاسمة” قد يكون محاولة أخيرة لتأجيل لحظة المساءلة السياسية داخلياً، لكنه رهان محفوف بالمخاطر في الداخل والخارج على حد سواء.

وفي حين تتصاعد الدعوات إلى هدنة وإنقاذ الرهائن، يبقى المشهد مفتوحاً على مزيد من العنف والمأساة، في انتظار ما إذا كانت القيادة الإسرائيلية ستواصل الرهان على القوة، أو تبحث أخيراً عن مخرج دبلوماسي.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى