الوكالات

الجارديان تسلط الضوء على “الفاشية السحابية”: تهديد جديد للديمقراطيات المعاصرة

في عالم تتزايد فيه مظاهر القمع والتمييز السياسي، لم تعد الفاشية تتجلى في صورها التقليدية من ديكتاتوريات صارخة أو أنظمة قمعية واضحة المعالم. الكاتبة والصحفية التركية إجه تملكران تقترح مصطلحًا جديدًا لفهم هذه التحولات: “الفاشية السحابية”. هذا المفهوم يشير إلى شكل جديد من الفاشية يتسم بالمرونة والغموض، يتحرك كالسحب من بلد إلى آخر، دون نمط ثابت، ودون إعلان واضح. يظهر فجأة، يفرض القوانين، ينتهك الحريات، ثم يتلاشى ليعود في شكل جديد في مكان مختلف. وبينما يواجه الأفراد هذه السحابة السياسية المتغيرة، تنشأ حالة من الارتباك واللايقين، تجعل من المقاومة أمرًا أكثر صعوبة. تملكران تدعو إلى يقظة جماعية، وإلى فهم هذا الشكل المعاصر من الفاشية كخطوة أولى نحو مواجهته. فالفاشية الجديدة لم تعد ترتدي زي العسكر، بل قد تأتي في هيئة تطبيق إلكتروني، أو قرار حدودي، أو صمت دولي مريب.

تجربة شخصية: بين المنع والخوف

تحكي تملكران عن دعوتها لإلقاء محاضرة في جامعة برينستون حول الفاشية العالمية. وبسبب موجة الاعتقالات العشوائية ومنع الدخول على الحدود الأمريكية، اضطر المنظمون للاستعانة بمحامين لتقييم المخاطر. الإجابة كانت: “الاعتقال غير مرجّح، لكن لا يمكن التأكد”. فاختار الجميع الطريق الأسلم: اللقاء عن بعد.

لكن رغم أن الأمور مرت “بسلاسة ظاهرية”، كما تقول، إلا أن الخيط الإنساني بيننا قد انقطع. فكلما ساد الخوف والتردد، زادت عتمة المكان، وتعمقت العزلة. هكذا يبدأ بلد ما في الانزلاق إلى الظلام – لا من خلال استبداد داخلي فقط، بل من خلال تخلي العالم الخارجي عن التضامن.

الفاشية الجديدة: لا مركز لها، ولا شكل ثابت

ما يحدث اليوم من منع دخول الأكاديميين، وسجن الناس بسبب محتوى هواتفهم، أصبح أمرًا مألوفًا. الاتحاد الأوروبي بدأ يوزع هواتف “احتياطية” لموظفيه المتجهين إلى الولايات المتحدة. دول أوروبية حذّرت مواطنيها المثليين من السفر لأمريكا – تمامًا كما لو كانت نصائح على موقع “تريب أدفايزور”.

هذا النمط الجديد من الفاشية  تقول الكاتبة – يشبه السحاب. يتحرك دون نظام، ويضرب في أماكن متفرقة. مرّة في تركيا، عبر سجن خصوم أردوغان؛ ومرة في إسرائيل، بتجويع الأطفال الفلسطينيين؛ وأخرى في إيطاليا بإغراق المهاجرين؛ ثم في أمريكا من خلال ممارسات الشرطة الحدودية. لا يوجد مركز واحد لهذا القمع – بل أيادٍ لا حصر لها، وجرائم بلا نظام، كأنها تمطر فوقنا دون توقف.

الرأسمالية السحابية والفاشية التكنولوجية

مصطلح “الفاشية السحابية” مستوحى من تعبير الاقتصادي اليوناني يانيس فاروفاكيس حول “الرأسمالية السحابية”، التي تهيمن فيها شركات التكنولوجيا الكبرى على الاقتصاد والسياسة، وتخلق أشكالًا جديدة من “العبودية الرقمية”. نحن الآن نعمل في إقطاعيات رقمية، دون أن ندرك أننا فقدنا السيطرة أو الحقوق.

مظلات الخوف وموت الكرامة

في عالم يسوده هذا القمع غير المرئي، أصبح اقتناء “هاتف بديل” أو تجنب زيارة بلد ما تصرفات طبيعية، بل “منطقية”. لكنها – كما تحذر تملكران  علامات على انهيار الكرامة الإنسانية. من يشتري المظلة ليتفادى المطر السام من فوقه، يخسر شيئًا من كرامته، حتى لو حاول إقناع نفسه بأنه مجرد إجراء احترازي.

المقاومة السحابية: هل نحلم بثورة؟

في وثائقي لـويم ويندرز عن البابا فرنسيس، دعا الأخير إلى ألا نخاف من كلمة “ثورة”. لم تكن دعوة عنف، بل عن الكرامة. حين تصبح القوانين غير عادلة، يقول البابا، فالدفاع عن الخير العام يتطلب تجاوزها أحيانًا. وفي وجه “الفاشية السحابية”، لا نحتاج لمظلات، بل إلى “سحابة مقاومة” تُعيد للناس إيمانهم بالكرامة المشتركة.

الخلاصة:

هذه الفاشية الجديدة لا تُحارب بالطرق القديمة. ما نحتاجه اليوم ليس فقط فهمًا جديدًا، بل خيالًا جديدًا للمقاومة – مقاومة مرنة، لامركزية، شجاعة – مثل السحابة نفسها.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى