عربي وعالمي

كير ستارمر: رئيس وزراء بلا رؤية واضحة وسط أزمات سياسية واجتماعية معقدة

السؤال المحوري: لماذا تتخذ الحكومة قرارات بلا سردية مقنعة؟

 

رغم غياب تهديد مباشر، يعيش رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر حالة من الحصار السياسي الذاتي. فرغم أن حكومته تتمتع بأغلبية كبيرة في البرلمان، إلا أنه لا يواجه معارضة فعالة، سواء من كيمي بادينوك التي تفتقر للثقل السياسي، أو من أحزاب الإصلاح والليبراليين والخضر التي تفتقر للتأثير التشريعي. ورغم بعض الاعتراضات من داخل حزب العمال، فإنها لم تصل إلى حد التمرد أو التهديد الحقيقي.

السؤال الذي يربك الحكومة: لماذا؟

تكمن معضلة ستارمر الحقيقية في سؤال بسيط ظاهريًا لكنه معقد في عمقه: “لماذا؟” – لماذا تُتخذ قرارات معينة؟ وما الهدف منها؟ فالحكومة تبنت سياسات مؤلمة مثل تقليص دعم الوقود ورفع مساهمات التأمين، وفي الوقت نفسه أنهت إضرابات مهمة. غير أن ما ينقص هذه الإجراءات هو الشرح المقنع والدافع الواضح، ما يجعل الحكومة تبدو وكأنها تتصرف بلا رؤية متماسكة.

غياب السردية يُضعف الشرعية

في ظل غياب سردية سياسية مقنعة، تفقد الحكومة قدرتها على حشد الدعم الشعبي، حتى عندما تكون قراراتها منطقية أو ضرورية. المواطنون يحتاجون إلى فهم ليس فقط للقرارات، بل أيضًا للنية الكامنة وراءها، وهي حلقة مفقودة في خطاب ستارمر حتى الآن.

الهجرة: سؤال تتكرر حوله الحيرة

قضية الهجرة تمثل مثالًا واضحًا على الإرباك في خطاب الحكومة. بعد إعلان نية خفض صافي الهجرة، عاد السؤال للواجهة: لماذا؟ فبينما يُقال إن ذلك استجابة لمخاوف الرأي العام ولمنع صعود نايجل فاراج، رفض ستارمر هذا التبرير، مؤكدًا أن قراراته لا تستند إلى إرضاء حزب أو فئة بعينها. لكن هذا النفي لم يكن ليصدر لولا شعوره بضعف الثقة في دوافعه.

خطة اقتصادية ذات تكلفة غير واضحة

الحكومة تقترح حلولًا تبدو بسيطة: تقليل الهجرة، مقابل تنشيط القوى العاملة المحلية. لكنها تعترف ضمنيًا أن التحول المطلوب في سوق العمل سيأخذ وقتًا طويلاً، من دون تحديد واضح للتكاليف أو التأثيرات المحتملة، لا سيما على قطاعات حيوية مثل الصحة والرعاية الاجتماعية. وهو ما يجعل هذه السياسات عرضة للانتقاد من مختلف الاتجاهات.

تصعيد الخطاب… فخ من صنعه

ستارمر وقع في فخ لغته الخاصة. حين وصف تأثير الهجرة بأنه مدمر للمجتمع، رفع سقف التوقعات لدى الجمهور. ومع عدم قدرته على تحقيق نتائج فورية، فإن الخطاب سيتحول ضده لاحقًا. كان بإمكانه تبني نهج أكثر توازناً يركز على تنظيم الهجرة لا رفضها، وعلى دمج المهاجرين بدلًا من إقصائهم، لكنه اختار لغة تفتح باب المساءلة أكثر مما تجلب الدعم.

القيادة بدون سردية لا تصنع شرعية

في نهاية المطاف، يمتلك ستارمر سلطة تنفيذية قوية لكنه يفتقر إلى السردية التي تعطي وجوده السياسي معنى. غياب الرؤية يجعله يبدو كمن يتخذ قرارات داخل حصن معزول، غير قادر على إقناع حتى داعميه بضرورتها. هو قائددون منافس، لكنه أيضًا قائد دون مشروع واضح.

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى