صحف وتقارير

ترامب يقلب الطاولة على نتنياهو: تحالفات جديدة ترسم خريطة شرق أوسط بلا تل أبيب

ترامب يتجاوز نتنياهو ويعيد رسم خريطة الشرق الأوسط: جولة خليجية بدون تل أبيب

في لحظة بدت كأنها إعلان وفاة غير معلن لعقود من العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، صعد دونالد ترامب إلى مسرح الشرق الأوسط من بوابة الخليج، لا من بوابة القدس. من الرياض إلى الدوحة، راح الرئيس الأميركي يعقد الصفقات ويصافح الخصوم السابقين، ويخترق خطوطًا حمراء إسرائيلية طالما اعتُبرت محرّمة.
في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تستعد لردع جديد في غزة، كان ترامب يربّت على كتف الرئيس السوري الجديد، ويصفه بـ”الرجل القوي”، ويعده بـ”فرصة للعظمة”. وبينما كان الصواريخ الحوثية تسقط على مطار بن غوريون، كان البيت الأبيض يعلن هدنة مع الحوثيين دون حتى إبلاغ تل أبيب.
ما يجري ليس مجرد إعادة ترتيب للأولويات الأميركية، بل هو انقلاب استراتيجي يعيد تعريف من هم “الحلفاء” في نظر واشنطن… ومن هم من الآن مجرد “مراقبين من الهامش”.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس ترامب في المكتب البيضاوي في أبريل/نيسان.

إسرائيل خارج الدائرة: غابت عن الجولة وغابت عن القرار

طاف ترامب عواصم الخليج الكبرى دون أن يمر، ولو مجازيًا، فوق سماء تل أبيب. جولة دبلوماسية حافلة بالاجتماعات والصفقات والابتسامات الخليجية العريضة، لم تتضمن لقاءً واحدًا مع القيادة الإسرائيلية. بل بدا وكأن إسرائيل، وللمرة الأولى منذ عقود، لا تُستشار ولا تُستدعى ولا حتى تُذكر إلا عرضًا.
رغم ذلك، لم يتردد ترامب في التصريح: “هذا جيد لإسرائيل”. لكنه لم يوضح كيف يمكن لتل أبيب أن ترى في التفاوض مع إيران، ورفع العقوبات عن سوريا، والتقارب مع الحوثيين، “أخبارًا جيدة”.

أفراد من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يتفقدون حفرة بالقرب من مطار بن جوريون هذا الشهر.

رئيس سوريا الجديد يحظى بالتصفيق الأميركي رغم التحذيرات الإسرائيلية

حين صافح ترامب الرئيس السوري الجديد أحمد الشرا، وصفه بـ”الرجل القوي”، رغم أن الأخير كانت له روابط معلنة بتنظيم القاعدة في السابق. ما زاد الطين بلة هو قرار رفع العقوبات عن دمشق، وهي خطوة أثارت صدمة حقيقية في إسرائيل التي تنظر إلى الشرا كـ”جهادي” لا يختلف كثيرًا عن من سبقوه.
بينما ترى إسرائيل في صعود الشرا خطرًا يهدد حدودها الشمالية، رأى ترامب فيه فرصة اقتصادية واستراتيجية يجب أن تُحتضن، لا تُعاقب. وهكذا، تراجع النفوذ الإسرائيلي على طاولة القرار الأميركي بشكل لم يعد بالإمكان إنكاره أو تغطيته.

السيد ترامب في النصب التذكاري ياد فاشيم للهولوكوست في القدس عام 2017.

هدنة مفاجئة مع الحوثيين تترك إسرائيل وحدها في مرمى النيران

في واحدة من أكثر الخطوات إثارة للدهشة، أعلن ترامب وقفًا لإطلاق النار مع الحوثيين في اليمن، حتى مع استمرارهم في إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. إحداها أصابت مطار بن غوريون، وأدت إلى شلل في حركة الطيران لأسابيع.
القرار اتُخذ دون الرجوع إلى إسرائيل، أو حتى التنسيق معها، وكأن تل أبيب لم تعد جزءًا من الحسابات الأمنية الأميركية في المنطقة. أما في الداخل الإسرائيلي، فقد أثار هذا التجاهل تساؤلات مريرة: هل ما زلنا الحليف الذي لا يُستغنى عنه، أم أننا أصبحنا عبئًا يُتجاوز بصمت؟

الرئيس ترامب يلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في صورة نشرتها القصر الملكي السعودي.

تحرير رهينة أميركي في غزة دون تنسيق مع الشريك القديم

ربما كانت الصفعة الأكبر حين أعلنت واشنطن عن تحرير الرهينة الأميركي إدن ألكسندر من قبضة حماس، دون أي تنسيق مع الجيش أو الاستخبارات الإسرائيلية. خطوة تُظهر مدى استعداد إدارة ترامب للعمل بمفردها، حتى في أكثر الملفات الأمنية حساسية، وهو أمر لم يكن ليحدث في عهد أي رئيس أميركي سابق.
بهذا التحرك، أكد ترامب أن بلاده لم تعد ترى ضرورة في استئذان إسرائيل أو إشراكها في عمليات تخص أمن رعاياها أو سياستها الخارجية، حتى داخل مناطق تُعتبر تقليديًا “ملعبًا إسرائيليًا خالصًا”.

الرئيس ترامب يلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في صورة نشرتها القصر الملكي السعودي.

إيران تعود إلى طاولة المفاوضات… وإسرائيل تخرج منها

خلال زيارته إلى الدوحة، أعلن ترامب أن واشنطن دخلت مفاوضات “جدية جدًا” مع إيران من أجل سلام طويل الأمد. خطوة تعاكس تمامًا توجهات حكومة نتنياهو، التي لا تزال تضغط من أجل ضربات عسكرية تستهدف البنية التحتية النووية الإيرانية.
لكن ترامب، بحسابات رجل الأعمال أكثر من السياسي، يرى في التفاوض فرصة للتهدئة وتوسيع شبكة التحالفات الخليجية، حتى لو كان الثمن هو تجاوز الموقف الإسرائيلي.

فلسطينيون يشيعون جثمان ضحية قصف في جباليا الخميس.

الخطاب تغير: من القدس إلى الخليج، ومن نتنياهو إلى بن سلمان

حين وقف ترامب أمام قادة الخليج في الرياض، لم يتحدث عن “الحلفاء الديمقراطيين”، بل عن “مدن لامعة” و”قادة جدد يتجاوزون انقسامات الماضي”. لم يُشر إلى إسرائيل سوى عرضًا، في خطاب يُعد انقلابًا لغويًا وسياسيًا مقارنة بخطابات الرؤساء الأميركيين السابقين الذين لم يكن اسم إسرائيل يغيب عن فقرة واحدة من كلماتهم.
ترامب ركّز على المستقبل الخليجي، على الأبراج والأسواق والشراكات، وترك لنتنياهو صدى التصفيق الماضي، لا وهج اللحظة الحالية.

نتنياهو على الهامش: قرار واشنطن لم يعد يحتاج توقيعه

في تل أبيب، لم يخفِ بعض المقربين من نتنياهو قلقهم من تغير ديناميكيات العلاقة مع البيت الأبيض. ففي عهد بايدن، كان نتنياهو يؤجل القرارات، أما مع ترامب، فـ”القرارات تُتخذ من فوق رأسه”، كما وصفها أحد مستشاريه السابقين.
أما التصريحات الرسمية، فتُغلف الموقف بالإنكار، لكن الصحف الإسرائيلية لا تُخفي الصدمة: “ترامب يتجاوزنا”، “نتنياهو يُستبعد من المسرح الدولي”، و”تل أبيب تتفرج على إعادة رسم الشرق الأوسط من دونها”.

الشرق الأوسط يتغير… وإسرائيل تتأخر عن اللحاق بالركب

مع تزايد الهجمات على غزة، وتدهور الأوضاع الإنسانية هناك، وبينما ترامب يتحدث عن “الشرق الأوسط الجديد” و”الشراكات المستقبلية”، تبدو إسرائيل وكأنها تُكرر سياساتها القديمة في مسرح لم يعد يرحب بنفس السيناريوهات.
قد يظل التحالف الأمني قائماً، وقد تستمر المساعدات العسكرية، لكن الأكيد أن موقع إسرائيل في العقل الاستراتيجي الأميركي لم يعد كما كان.
ترامب رسم خريطة جديدة للمنطقة، فيها صفقات، وتهدئات، وتسويات… أما إسرائيل، فقد فاتها القطار هذه المرة.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى