العدالة تبدأ من الأطفال: لماذا يدافع جوردون براون عن تأجيل خطة “العمال”؟

بينما يحلل حزب العمال البريطاني أسباب تراجعه في الانتخابات المحلية الأخيرة، برزت مسألتان مثيرتان للجدل داخل الحزب: تعديل إعانة التدفئة الشتوية للمتقاعدين، وتغييرات على إعانات العجز. لكن القرار الأكثر حساسية كان تأجيل مراجعة خطة مكافحة فقر الأطفال، وهو قرار أثار انتقادات داخلية واسعة. ورغم هذا الجدل، فإن تأجيل النشر حتى الخريف المقبل قد يمنح الحزب فرصة تاريخية لإعادة بناء سمعته كمدافع عن العدالة الاجتماعية، ولبناء سياسة متماسكة تُدرج في الميزانية العامة القادمة.
كمن شغل منصب وزير الخزانة لعقد كامل، أدرك أن معالجة قضايا الفقر لا يمكن أن تتم عبر بيانات إنفاق دورية أو مراجعات إدارية، بل من خلال ميزانية كاملة تُعيد توزيع الموارد وتضع الأطفال في صدارة الأولويات الوطنية.
خيار التأجيل: قرار تكتيكي من أجل تمويل جاد
القرار بتأجيل خطة مكافحة فقر الأطفال لم يكن تراجعًا، بل خطوة تكتيكية تتيح للحكومة إجراء مشاورات موسعة وضمان وجود تمويل حقيقي لأي تغييرات مقترحة. بيان الإنفاق الذي ستقدمه رايتشل ريفز الشهر المقبل لن يكون كافيًا لتعويض الأذى الذي لحق بـ4.5 مليون طفل، ضحايا عقدٍ من التقشف المحافظ. الميزانية وحدها قادرة على إطلاق مصادر تمويل مثل ضرائب على البنوك أو قطاع المقامرة، لتأمين أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني تُخصص لإلغاء سياسة الحد على الطفلين، والتي قد تخرج نصف مليون طفل من دائرة الفقر.
تركة التقشف: سياسة تُنتج الفقر حتى 2035
أُعلنت سياسة الحد على إعانات الطفلين عام 2017، لكنها تطبق فقط على الأطفال المولودين بعد ذلك التاريخ، مما يعني أن آثارها ستتزايد تدريجيًا حتى عام 2035. هذه السياسة خلّفت وراءها قنبلة اجتماعية موقوتة، حيث ينضم نحو 50 ألف طفل سنويًا إلى دائرة الفقر بسببها. وبحلول نهاية مفعول هذه السياسة، سيكون أكثر من خمسة ملايين طفل قد عاشوا فقرًا ممنهجًا.
إحصاءات صادمة: نصف أطفال بعض المدن البريطانية فقراء
في مدن مثل برمنغهام ومانشستر، يعيش نحو 46% و44% من الأطفال في فقر، على التوالي. وفي بعض الأحياء، تصل النسبة إلى 85%. هذه الأرقام لا تشير فقط إلى فشل سياسات الرفاه، بل إلى أزمة وطنية تهدد الجيل القادم وتزعزع استقرار المجتمع بأكمله.
تفنيد المزاعم: الفقر لا يرتبط بالكسل بل بالأزمات
لطالما روج المحافظون لفكرة أن بعض الأسر تنجب أطفالًا بهدف استغلال نظام الرعاية الاجتماعية، لكن الواقع يُكذب هذه المزاعم. حوالي 70% من الأطفال الفقراء ينتمون لأسر عاملة، ومعظم الباقين متأثرون بأمراض أو بطالة أو نقص في خدمات رعاية الأطفال. ما يقرب من 60% من الأسر المتضررة من قاعدة الطفلين لديها أحد الأبوين في العمل. وغالبًا ما يكون السبب في السقوط تحت خط الفقر هو الأزمات المؤقتة مثل وفاة أحد الوالدين أو الإصابة بالسرطان أو الفقدان المؤقت للوظيفة.
ريفز وتحرك مبكر: دعم لوجستي وليس بديلاً عن إصلاح مالي
في مراجعة الإنفاق القادمة، ستعلن ريفز عن تدابير لمنع التشرد وتخفيف الفقر في 75 من المناطق الأكثر حرمانًا، من خلال توسيع برامج مثل أندية الإفطار ومراكز الأسرة على غرار “شور ستارت”. هذه المبادرات مفيدة، لكنها ليست بديلاً عن إصلاح شامل لنظام الإعانات. فالفطور المدرسي يوفر نحو 9 جنيهات أسبوعيًا للأسرة، وهو مبلغ زهيد مقارنةً بتأثير خفض الإعانات الذي قد يصل إلى 132 جنيهًا أسبوعيًا لعائلة من أربعة أفراد.
إلغاء قاعدة الطفلين: أكثر الحلول فاعلية من حيث التكلفة
الأبحاث تؤكد أن إلغاء قاعدة الطفلين هو أسرع وأرخص وسيلة لإخراج 350 ألف طفل من الفقر، وإنقاذ 700 ألف طفل من فقر مدقع. ومن الملفت أن غالبية البريطانيين يدعمون هذا الخيار إذا تم توضيح نتائجه. الفكرة لم تعد اقتصادية فقط، بل باتت أيضًا أخلاقية.
تأييد شعبي متزايد: الفقر مسألة أخلاقية وليست حزبية
استطلاع جديد للرأي أظهر أن 75% من البريطانيين يعتبرون الفقر “أمرًا خاطئًا من الناحية الأخلاقية”، وأكثر من ذلك يشعرون بالخجل من تراجع بريطانيا مقارنة بإيرلندا وهولندا والدول الإسكندنافية في رعاية الأطفال الفقراء. وعند سؤالهم عن مصادر التمويل، أبدى 85% دعمًا لفرض ضريبة على المقامرة، و75% دعمًا لضريبة على البنوك، بشرط توجيه الأموال مباشرةً لمكافحة الفقر.
تحالفات سياسية عابرة للأحزاب تدعم التغيير
إلغاء قاعدة الطفلين يحظى بدعم أحزاب متعددة: الليبراليون الديمقراطيون، القوميون في اسكتلندا وويلز، الخضر، وحتى حزب “ريفورم يو كيه”. وعلى الرغم من وعود نايجل فاراج بإعادة دعم الائتمان الضريبي، فإن سياساته الأخرى المقترحة – وعلى رأسها خصخصة فعالة لـNHS وخفض إنفاقي يصل إلى 150 مليار جنيه – قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتضر بذات الفئات التي يدّعي تمثيلها.
فرصة تاريخية: ضمان العدالة وإعادة بناء الثقة
لطالما كانت العدالة قيمة بريطانية راسخة. ويُمكن لحكومة “العمال” أن تقدم “ضمان عدالة” يشمل عدم تضرر أحد نتيجة تغييرات في الإعانات، ويكفل لكل طفل بداية عادلة في التعليم والحياة. هذه لحظة فارقة، فبعد 15 عامًا من التفاوت والفقر المتزايد، يمكن استعادة البوصلة الأخلاقية لبريطانيا، وتحقيق وعد “عقد التجديد الوطني”.