عربي وعالمي

صوت الشوفار.. حقيقة الصورة التي رسخت أسطورة في ذاكرة إسرائيل

لأكثر من نصف قرن، ترسّخت في الذاكرة الإسرائيلية صورة أيقونية: الحاخام شلومو غورين، كبير حاخامات الجيش الإسرائيلي، يقف عند حائط البراق (المسمّى إسرائيلياً حائط المبكى) حاملاً التوراة وينفخ في الشوفار، احتفالاً باستعادة السيطرة على القدس الشرقية خلال حرب عام 1967. هذه الصورة، التي أصبحت رمزاً للانتصار والوحدة الدينية والقومية، باتت اليوم موضع إعادة نظر بعد الكشف عن تفاصيل مثيرة غيّرت الرواية الرسمية التي استندت إليها أجيال كاملة.

روايات التاريخ.. بين الأسطورة والواقع

كما هو الحال في العديد من الأحداث التاريخية، فإن التفاصيل الدقيقة غالباً ما تضيع وسط الزخم الرمزي والوطني. وفي غياب مصادر متعددة أو روايات مضادة، تترسخ بعض القصص على أنها “الحقيقة”، وإن لم تكن كذلك فعلاً. هذا ما حدث مع قصة نفخ الشوفار في 7 يونيو 1967، يوم دخول الجيش الإسرائيلي البلدة القديمة في القدس.

لأعوام، كان يُعتقد أن غورين هو من نفخ الشوفار عند حائط البراق، لكن الحقيقة أكثر تعقيداً. فبحسب شهادة جديدة أدلى بها الحاخام مناحيم هكوهين، المقرب من غورين وأحد رفاقه في ذلك اليوم، فإن الصورة التي خلّدها التاريخ ربما لا تعكس الحقيقة كاملة.

ياعقوب كوهين.. الجندي المجهول الذي نفخ في الشوفار

في سبتمبر 2023، ظهرت صورة من أرشيف الجيش الإسرائيلي تكشف أن من نفخ في الشوفار لم يكن غورين ولا قائد المظليين الجنرال عوزي إيلام كما شاع سابقاً، بل جندي احتياط يُدعى يعقوب كوهين. هذا الجندي، الذي ظل مجهول الهوية لعقود رغم تداول صورته، كشف خلال زيارة لأحد المواقع التذكارية أنه هو من نفخ الشوفار فعلاً، بعد أن حصل عليه من مدني مسن طلب مرافقته إلى حائط البراق.

كوهين أوفى بوعده لذلك الرجل، لكنه لم ينعم بنجومية الصورة. فبعد إطلاقه النفخة الأولى، سحب معاون غورين الشوفار منه وناوله للحاخام، الذي وقف بدوره لالتقاط الصورة الشهيرة.

الحاخام غورين.. قائد بروح المقاتل ورمزية الزعيم

رواية الحاخام مناحيم هكوهين، التي دوّنها أبناؤه في كتاب بعنوان لإخوتي وأصدقائي، تسلط الضوء على أبعاد جديدة من شخصية غورين. فالأخير لم يكن ينتظر الأوامر فقط، بل حاول دفع قائد لواء المظليين موتا غور لدخول البلدة القديمة قبل صدور التعليمات الرسمية. وبعد أن رُفض طلبه، ذهب بنفسه إلى الحاخام دافيد كوهين (الناصري) ليأخذ منه شوفاراً، وعاد لينفخ فيه عند باب الأُسود، كبداية رمزية للمعركة.

من كان أول من وصل الحائط؟ مفاجآت اللحظة الحاسمة

وفقاً لهكوهين، فإن غورين لم يكن أول من وصل إلى الحائط، بل كان هو – الحاخام هكوهين – برفقة اثنين من أفراد السلالة الكهنوتية، هما الحاخام زفي يهودا كوك والحاخام الناصري. استخدموا جيباً أردنياً استولوا عليه للوصول إلى الموقع. وعندما التقى بهم غورين لاحقاً، ترجّاهم أن لا يُفصحوا عن تأخره، حفاظاً على رمزيته كرجل الدين الأول الذي صلّى عند الحائط بعد 19 عاماً من القطيعة. فوافقوا على طلبه، وبقي السر طيّ الكتمان لعقود.

عندما يصبح الرمز أهم من الحدث

هذا الكشف لا ينتقص من الدور الرمزي لغورين، لكنه يعيد النقاش حول كيفية صناعة الرموز وتثبيت الروايات. في دولة تعتمد بشكل كبير على التوثيق البصري والقصص القومية في تشكيل هويتها، يبدو أن لحظة نفخ الشوفار كانت أقل أهمية من الصورة التي التُقطت لتوثيقها.

السردية الوطنية في اختبار الحقيقة

قصة يعقوب كوهين، وصمت موتا غور الذي حافظ على السر حتى وفاته عام 1995، يكشفان جانباً إنسانياً ومعقداً من صناعة التاريخ: متى تختار أن تصمت لأجل “المصلحة الكبرى”؟ ومتى تقرر أن الحقيقة – حتى لو جاءت متأخرة – يجب أن تُروى؟

يارا حمادة

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى