عربي وعالمي

الغرب يعيد التفكير في كيفيه خوض الحروب :درس أوكراني لقوات أوروبا المسلحه…لكن التمويل لايزال العقبه الكبري

بريطانيا تتبنى دروس أوكرانيا وتواجه معضلة التمويل الدفاعي

في الأول من يونيو 2025، نفذت أوكرانيا عملية جريئة داخل عمق الأراضي الروسية، مستخدمة طائرات مسيرة أُطلقت من شاحنات مدنية لاستهداف قواعد جوية روسية وتدمير ما لا يقل عن 12 قاذفة. هذا الهجوم، الذي يُعد من أبرز الغارات في تاريخ الحروب الحديثة، مزج بين أساليب التخريب التقليدي والتكنولوجيا الحديثة المتمثلة في الطائرات المسيّرة، السلاح الأيقوني للحرب الأوكرانية. وبهذا، كشفت العملية عن حقيقتين أساسيتين: الأولى أن التكنولوجيا الجديدة، حين تُستخدم بذكاء، قد تكون فتاكة بشكل غير متناسب؛ والثانية أن ساحة المعركة لم تعد تقتصر على الخطوط الأمامية، بل امتدت عميقًا إلى قلب العدو، مغيرة بذلك مفاهيم الحرب التي سادت منذ نهاية الحرب الباردة.

في اليوم التالي، نشرت بريطانيا مراجعتها الدفاعية الجديدة، التي لاقت إشادة لتبنّيها هاتين النقطتين. المراجعة تعكس عقلية مرنة وأكثر استعدادًا للتعامل مع التحولات السريعة في طبيعة الحروب، وهي منهجية باتت ضرورية في أوروبا وآسيا على حد سواء. لكنها، في الوقت ذاته، تسلط الضوء على المشكلة الأصعب: تأمين التمويل اللازم لتحويل هذه الأفكار إلى واقع عملي.

من الدفاع البطيء إلى الاستعداد الحقيقي

بعد عقود من الاطمئنان الزائف، بدأت بريطانيا – كما حلفاؤها – في إدراك الحاجة إلى الاستعداد الجاد للحرب. لم يعد الأمر يقتصر على الدفاع الداخلي، بل يتطلب تعزيز القدرات العسكرية الخارجية وتوفير الذخائر والتكنولوجيا والمعدات اللازمة. أحد الدروس المستفادة من الهجوم الأوكراني يتمثل في ضرورة تنويع القواعد الجوية وتوزيع الذخيرة وقطع الغيار والوقود، بعدما لجأت القوات الجوية الملكية البريطانية، كغيرها من القوات الأوروبية، إلى إغلاق العديد من القواعد لتقليل النفقات.

تعزيز الصمود: من الطائرات إلى كابلات الاتصالات

مفهوم الصمود لا يقتصر على القواعد العسكرية فحسب، بل يشمل أيضًا البنية التحتية المدنية مثل كابلات الاتصالات تحت البحر، محطات الكهرباء، وأنظمة الاتصالات. تدعو المراجعة إلى تبني نهج “يشمل المجتمع بأسره”، بحيث تشارك القطاعات الصناعية والمالية والتعليمية في خطط الاستعداد للأزمات، بما في ذلك المواطنون أنفسهم.

التكنولوجيا تغير قواعد اللعبة

تحذر الوثيقة من أن “التقنيات الناشئة تغيّر طبيعة الحروب بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية”، مشيرة إلى بطء التكيف في الدول الغربية. فمشروعات الدفاع التي تتجاوز قيمتها 20 مليون جنيه إسترليني، تستغرق في المتوسط 6.5 سنوات لبدء تنفيذها. ولهذا توصي المراجعة بتخصيص 10% من ميزانية مشتريات الدفاع السنوية لصالح التقنيات الجديدة والمبتكرة.

 

إعادة هيكلة القوات المسلحة: مزيج ذكي من القديم والجديد

المراجعة توصي بإعادة تنظيم جذرية وسريعة للقوات المسلحة. البحرية الملكية ستُسرّع من تشكيل جناح جوي “هجين”، يدمج بين الطائرات المقاتلة من طراز F-35 وطائرات مسيّرة متقدمة وأخرى بسيطة. أما الجيش فسيعتمد مزيجًا جديدًا في معداته: 20% منصات مأهولة، 40% منصات غير مأهولة قابلة لإعادة الاستخدام، و40% أسلحة قابلة للاستهلاك مثل القذائف والصواريخ والطائرات الانتحارية.

وفي حين تتاح لبريطانيا فرصة التجريب، إذ تركز دول كبرى مثل ألمانيا على تعزيز القوات البرية التقليدية، تحافظ لندن بحكمة على توازن بين القديم والجديد. فالطائرات المسيّرة لا يمكنها أن تحل محل الدبابات في كل الحالات، التي لا تزال تلعب دورًا حيويًا في حماية الجنود ضمن ساحات معركة أصبحت مكشوفة أكثر من أي وقت مضى. كما تؤكد الخطة الالتزام بإنتاج ما يصل إلى 12 غواصة هجومية نووية، تذكيرًا بأن بعض أضخم وأغلى الأسلحة لا تزال من بين الأكثر فاعلية.

الطموحات كبيرة… لكن الميزانية لا تواكب

حتى الآن، تبدو الخطط طموحة، لكن هناك فجوة صارخة بين ما تأمله بريطانيا وما خصصته من تمويل. الحكومة تخطط لإنفاق 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول 2027، وترغب في رفع النسبة إلى 3% بحلول 2034، لكن هذا لا يكفي. فروسيا تعيد التسلّح بسرعة، والولايات المتحدة بدأت بتحويل تركيزها بعيدًا عن أوروبا، في حين أن ألمانيا، التي تواجه التهديدات ذاتها، قد تنفق ضعف ما تنفقه بريطانيا بحلول 2029.

من المنتظر أن يتفق أعضاء الناتو على هدف إنفاق دفاعي يبلغ 3.5% من الناتج المحلي خلال القمة المرتقبة في 24 يونيو. لكن هذا سيتطلب قرارات صعبة، كرفع الضرائب أو خفض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية أو حتى اللجوء للاقتراض. ورغم صعوبة هذه الخطوات، فإن دعم أوكرانيا، وردع روسيا، وسدّ فراغ الانسحاب الأميركي لن يتحقق بموارد أقل.

في عام 2014، اتفق الحلفاء على إنفاق 2% من الناتج المحلي، لكن كثيرين تجاهلوا ذلك. هذه المرة، لا يقل التوقيت أهمية عن الهدف نفسه، فلا جدوى من تأجيل الإنفاق إلى ما بعد 2030. كما تقول المراجعة البريطانية: “حتى وقت قريب، كان من غير المعقول تصور حرب ضد دولة تمتلك قوات عسكرية متقدمة”. اليوم، باتت هذه الحرب ممكنة – وربما وشيكة – والتاريخ يعلمنا أن درء الحرب أسهل كثيرًا من خوضها.

عزة طارق

صحفية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى