حوادث وقضايا

هذه ليست نقاط توزيع..بل افخاخ قصه ام فلسطينيه قتلت برصاص في رأسها أثناء بحثها عن الطعام لأطفالها في غزه

"فخاخ الموت في غزة: كيف تحولت نقاط توزيع المساعدات إلى مناطق قتل؟"

 

في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء، سقطت رُبى زيدان مضرجة بدمائها على الأرض، بعد أن اخترقت رصاصة جبينها. كانت في طريقها للحصول على كيس دقيق لا يسد رمق أطفالها، لكنها لم تعد.

 

قبل استشهادها بلحظات، كانت الأم الفلسطينية تخطو بصحبة ابنتها ميرفات (20 عامًا) وابنها أحمد (12 عامًا)، نحو مركز توزيع مساعدات مدعوم من إسرائيل والولايات المتحدة، بعد رحلة استغرقت ست ساعات سيرًا على الأقدام عبر أنقاض غزة. وكانت تردد طوال الطريق تعليمات الطوارئ لأبنائها: “إذا أطلقوا النار، تذكروا مكان اللقاء… لا تضيعوا عني”.

 

لكنها رحلت قبل أن تشرق الشمس.

 

ابنتها جلست بجانب جثمانها لساعات، تحت وابل من الرصاص. كانت تبكي وتهمس في أذنها: “قومي يا أمي.. لا تتركينا”. لكن الصوت الوحيد الذي سُمع كان إطلاق النار وانفجارات الطائرات المسيّرة.

 

“ذهبنا بدافع الجوع.. أمي كانت تذهب كل يوم لأسبوع كامل، تمشي 6 ساعات وتعود بلا شيء”، تقول ميرفات في اتصال هاتفي مع الصحيفة.

 

رغم توسلات ابنتها ألا تذهب مجددًا بعد حوادث إطلاق النار على المدنيين، كانت صرخات شقيقتها الصغيرة “رزان”، ذات الخمسة أعوام، أقوى من كل التحذيرات. “كانت تبكي وتقول: ماما أنا جوعانة”، فقررت الأم المحاولة مرة أخرى.

 

يوم الإثنين، أخبرت زوجها محمد أنها ستحاول للمرة الأخيرة. “كانت تطمع في كيس دقيق فقط”، يقول الرجل المكلوم، قبل أن يضيف بصوت مكسور: “عادت لي ملفوفة في كفن”.

 

رصاصة واحدة.. وانفصال أبدي

حين اقتربت الأسرة من نقطة التوزيع، انطلقت الرصاصات فجأة. صرخت فتاة خلفهم، والتفت أحمد ليرى والدته تسقط على وجهها. حاول إيقاظها بلا جدوى، بينما كانت الطائرات المسيرة تطلق النيران من فوق رؤوسهم.

 

“في لحظة، انقلب كل شيء”، يقول الطفل.

 

ثلاث ساعات كاملة ظل الطفلان إلى جوار جسد أمهم، ينتظران هدوء إطلاق النار. حين انتهت الفوضى، هرع الناس نحو المساعدات، بينما بحث الطفلان عن وسيلة لنقل جثمانها إلى مستشفى.

 

وجدوا جثتها لاحقًا في مستشفى ناصر، بعد أن تم نقلها في سيارة إسعاف ضمن مجموعة من الضحايا المجهولين.

 

«هذه ليست مساعدات.. إنها فخاخ»

إسرائيل قالت إن عناصرها أطلقوا النار على أشخاص “اقتربوا منهم”، في حين اتهمت منظمات إنسانية دولية تل أبيب بخلط السلاح بالطعام، ما يعرض حياة المدنيين للخطر.

 

أُسست نقاط توزيع الغذاء الجديدة بالشراكة بين الجيش الإسرائيلي ومجموعة غامضة تُدعى “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، يقودها مبشّر أمريكي على صلة بالرئيس السابق دونالد ترامب، لكنها تفتقر لأي خبرة إنسانية حقيقية.

 

خلال أيام قليلة من بدء عمليات GHF، قُتل ما لا يقل عن 50 شخصًا، وأصيب أكثر من 400 آخرين، أثناء محاولتهم الوصول إلى تلك المواقع.

 

“ما يحدث ليس توزيع مساعدات، بل كمين منصوب للناس”، يقول الأب محمد. “حين يبدأ إطلاق النار، عليك أن تنبطح أرضًا. وقد يُقتل من بجانبك، ولا يمكنك حتى مساعدته. وبعد أن يفرغوا من لعبتهم، يفتحون البوابات في السادسة صباحًا، وتبدأ الفوضى”.

 

العائلة المنكوبة

الأسرة كانت فقيرة قبل الحرب، لكنها متماسكة. كان نجلهم الأكبر، نبيل، يعمل عامل نظافة، واستشهد في غارة إسرائيلية قبل عام. فيديو للأم رُبى وهي تتعرف على جثمانه بعد شهور، انتشر على نطاق واسع حينها. والآن، الفيديو الجديد الذي يوثق بكاء أحمد فوق جسد والدته، يعيد المأساة للعناوين من جديد.

 

اليوم، في وقت كان يفترض فيه أن يستعدوا لعيد الفطر، يعيش أطفالها أيام العيد في مقبرة.

 

“أعيادنا كانت أيامًا للفرح والحلوى والملابس الجديدة، لكنها الآن مواسم موت”، يقول محمد. “طفلتي الصغيرة لا تزال في الخامسة.. من سيرعاها الآن؟”

 

أما ميرفات، فتركت حلمها في دراسة القانون، وتحملت عبء العائلة، وهي تقول: “كلما أغمضت عيني، أراها تموت أمامي من جديد. لا أستطيع نسيان مشهدها وهي تسقط.. كنت عاجزة تمامًا”.

عزة طارق

صحفية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى