علوم اجتماعية وانسانية

أزمة السكن في بريطانيا تهدد مستقبل حزب العمال وفرصه الانتخابية المقبلة

الحكومة مطالَبة بتحرك عاجل لبناء مساكن اجتماعية واستعادة ثقة المواطنين

مع اقتراب مراجعة الإنفاق في بريطانيا هذا الأسبوع، لم تعد أزمة السكن الآمن مجرد قضية اقتصادية أو اجتماعية، بل أصبحت معضلة سياسية تهدد مستقبل حكومة حزب العمال بقيادة كير ستارمر. فإما أن تتخذ الحكومة خطوات حاسمة لبناء مساكن اجتماعية، أو تواجه خطر فقدان ثقة الناخبين في الانتخابات المقبلة.

مشاريع عقارية فاخرة لا تخدم المواطن العادي

في مختلف المدن البريطانية، تنتشر مشاريع سكنية حديثة، تُسوَّق عبر إعلانات براقة تُظهر شبابًا يعيشون رفاهية الحياة. لكن الواقع مختلف، فغالبًا ما يشعر المواطن العادي بالاستبعاد، ويتساءل: “لمن تُبنى هذه الشقق؟ بالتأكيد ليست لي.”

إحصائيات صادمة تعكس عمق الأزمة

أكثر من 1.3 مليون أسرة تنتظر الحصول على سكن اجتماعي، وهو الرقم الأعلى منذ 2014

حوالي 164 ألف طفل يعيشون في مساكن مؤقتة.

الإيجارات في القطاع الخاص ارتفعت بنسبة 9.2%، وهي نسبة قياسية.

عدد تصاريح البناء للربع الأول من 2025 هو الأدنى منذ عام 2012.

غياب خطط لدعم المشترين الجدد جعل سوق العقارات رمزًا للتهميش والغضب الشعبي.

السكن يتحول إلى ملف سياسي شائك

قبل أكثر من عقد، وثّق الكاتب حالة خبازة في حي باركينغ وداجنهام، عانت ابنتها من العيش في شقة خاصة ملوثة، وسط انتظار طويل لسكن اجتماعي. تلك القصة أصبحت اليوم نموذجًا شائعًا، ومع صعود حزب “ريفرم يو كيه”، بات السكن قضية محورية في السياسة البريطانية، ترتبط بشكل وثيق أيضًا بمواقف المواطنين من ملف الهجرة.

وعود حزب العمال: طموحات بلا وضوح

حزب العمال وعد ببناء 1.5 مليون وحدة سكنية خلال فترة ولايته، وأكدت وزيرة المالية رايتشل ريفز على نيتها إحداث “أكبر طفرة في الإسكان الاجتماعي منذ جيل”. لكن الغموض يلف مصادر التمويل وآليات التنفيذ، ما يثير الشكوك حول واقعية هذه الوعود.

دعوات محلية لتحركات أكثر جرأة

عمدة مانشستر الكبرى، آندي بورنهام، دعا إلى فتح أراضٍ عامة لبناء مساكن اجتماعية، مستلهمًا من تجربة ما بعد الحرب العالمية الثانية. كما طالبت مؤسسات الإسكان باعتبار السكن الاجتماعي بنية تحتية أساسية، ما يتيح تمويلًا أوسع ضمن ميزانية الدولة.

مفاوضات داخلية حول التمويل والجدية

أنجيلا راينر، وزيرة الإسكان، تخوض مفاوضات صعبة مع وزارة المالية للحصول على تمويل كافٍ. فميزانية مارس أضافت 2 مليار جنيه فقط إلى برنامج الإسكان، وهو ما اعتُبر مجرد بداية لا تفي بتحقيق هدف 1.5 مليون وحدة دون مضاعفة التمويل.

الحكومة تغفل عن أولوية السكن

رغم تصاعد الأزمة، يبدو أن تركيز الحكومة ينصب على ملفات الدفاع والنقل، في حين يتراجع ملف السكن من خطابها العام، وهو ما قد يزيد من استياء الشارع البريطاني.

الحل الحقيقي: عودة قوية للإسكان الاجتماعي

تحرير قوانين التخطيط وتشجيع شركات البناء لا يكفي. الحل يكمن في العودة إلى الإسكان الاجتماعي المدعوم من البلديات. لكن تحقيق هدف 300 ألف وحدة سنويًا سيتطلب جهدًا غير مسبوق منذ 1977.

عوائق واقعية.. لكنها ليست مبررًا للفشل

البلديات تعاني من عجز مالي ونقص في العمالة الماهرة، رغم خطة لتدريب 60 ألف عامل. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق الأهداف دون دعم خارجي وربما استقدام عمالة أجنبية. الفشل في معالجة الأزمة سيؤدي إلى نتائج اجتماعية وسياسية خطيرة، منها تصاعد اليمين المتطرف وخسارة ثقة الناخبين.

“يونيون يارد”: مثال حي على خيبة الأمل

في بلدة ألدرشوت، يُمثّل مشروع “يونيون يارد” صورة للفجوة بين الواقع والتطلعات. فرغم احتوائه على عشرات الوحدات، لم تُخصص سوى 18 وحدة “معقولة” السكن – وكلها لكبار السن. بينما ينتظر أكثر من 30 ألف شخص دورهم في السكن، تتساءل شابة عشرينية أمام صور المشروع: “لمن كل هذا؟ ليس لي.”

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى