عربي وعالمي

تصاعد العنف السياسي في أمريكا بسبب تطرف حركات دينية مسيحية متشددة

الهجوم على مشرعين في مينيسوتا يسلّط الضوء على تهديد التطرف الديني

استفاق الأمريكيون صباح السبت على نبأ مروع: رجل يُدعى “فانس بولتر” تتهمه السلطات الفيدرالية بتعقب أربعة مشرعين من ولاية مينيسوتا، قبل أن ينفّذ هجومًا مسلحًا أسفر عن مقتل النائبة الديمقراطية ميليسا هورتمان وزوجها، وإصابة السناتور جون هوفمان وزوجته بجروح خطيرة.

تخطيط محكم وهوية مموهة

تشير التحقيقات إلى أن بولتر خطّط للهجوم بعناية. فقد تنكّر في زيّ شرطي، وارتدى قناعًا سيليكونيًا عالي الجودة لإخفاء هويته، وأعد قوائم استهداف شملت سياسيين ديمقراطيين ومؤيدين لحق الإجهاض. ورغم محاولات بعض الجهات اليمينية تصويره كمتطرف يساري، إلا أن الحقائق سرعان ما كشفت انتماءه إلى اليمين المحافظ.

الخلفية الدينية: تلميذ لحركة مثيرة للجدل

ما يلفت الانتباه في سيرة بولتر أنه خريج “معهد المسيح للأمم” في دالاس عام 1990، وهو مؤسسة دينية ارتبطت بـ”حركة الإصلاح الرسولي الجديد” (New Apostolic Reformation – NAR)، التي تعتنق فكرًا مسيحيًا غير تقليدي يزعم إعادة منصب “الرسول” و”النبي” في الكنيسة الحديثة.

دونالد ترامب كـ”أداة إلهية”

يرى بعض أتباع هذه الحركة في دونالد ترامب شخصية مختارة من الرب لإنقاذ أمريكا من “الليبرالية الشيطانية”، ويصوّرون خصومه السياسيين كخدام للشيطان. ويستشهدون بوقائع توراتية دموية مثل انقلاب الملك ياهو ضد بيت آخاب، ويرون في ترامب امتدادًا له في العصر الحديث.

رمزية “الصلاة العنيفة”: التحريض المستتر

تنتشر ضمن هذه الأوساط لغة دينية “روحية قتالية”، يُفترض أنها رمزية لمحاربة الشر، لكنها تتحول بسهولة إلى دعوات ضمنية للعنف. ولعل أبرز مثال على ذلك لافتة في ردهة معهد ديني كتب عليها: “يجب على كل إنسان أن يصلي صلاة عنيفة واحدة في اليوم”.

العنف ليس حكرًا على دين بعينه

الهجوم في مينيسوتا ليس حالة منفردة، بل تذكير خطير بأن التطرف الديني – سواء أتى من مسيحي أو مسلم أو غير متدين – قادر على إنتاج عنف سياسي. المسؤولية تقع على الكنائس لتكون حصنًا ضد هذا الانزلاق، لكنها في بعض الحالات تسهم في تعزيزه.

تأليه ترامب وخطاب الكراهية

شخصيات مؤثرة في اليمين الديني، مثل مايك هاكابي، تتبنى خطابًا دينيًا متطرفًا. فبعد محاولة اغتيال ترامب الأخيرة، وصفه هاكابي بأنه “الرئيس الذي أنقذه الله ليكون الأعظم في التاريخ”، وهو خطاب يُستخدم لتبرير تطرف سياسي محتمل.

من المحبة إلى السلاح: الانحراف عن جوهر المسيحية

الكاتب الأمريكي ديفيد فرينش يحذر من هذا التحوّل، مؤكدًا أن المسيحية الأصلية ركزت على المحبة حتى في وجه الموت، لا على العنف. لكن السؤال المتكرر بين المؤمنين اليوم: “وماذا لو لم تنجح المحبة؟” يعكس تحوّلاً في الأولويات من المبادئ إلى النتائج السياسية.

التطرف لا يقتصر على تيار واحد

الحوادث الأخيرة لا تقتصر على المسيحية المتطرفة، فقبل أسابيع من حادثة مينيسوتا، وقع هجوم على موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وألقيت قنابل مولوتوف خلال تظاهرة. هذا يوضح أن ظاهرة العنف السياسي تتجاوز الدين أو العِرق، بل باتت أزمة أمريكية عامة.

دعوة أخيرة: الكنائس أمام اختبار تاريخي

في ختام مقاله، يوجه فرينش تحذيرًا صارخًا: ما لم تتحرك الكنائس والمجتمع الأمريكي لمواجهة تغلغل العنف داخل الخطاب الديني والسياسي، فإن هذه المآسي ستتكرر. لأن من يضع الكتاب المقدس جانبًا ويتسلح بالبندقية، لن يتردد في إعادة إنتاج المأساة.

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى