فن وثقافة

من نقد نسوي إلى وصاية أخلاقية: هل خذلتنا النسوية الجديدة؟”

في زمن التحوّل الثقافي والرقابة الرقمية، يتزايد تسليع الغضب النسوي ليصبح سلاحًا يُستخدم ضد النساء أنفسهن، لا لتحريرهن.

خلال الأيام الماضية، ضجّت وسائل التواصل بصورة غلاف ألبوم المغنية سابرينا كاربنتر، والتي ظهرت فيه تدلل رجلاً غامض الملامح. الصورة أثارت انتقادات لاذعة، وُصفت بأنها “تُعيد النساء إلى عصور الظلام”، في مشهد يثير سؤالاً جوهرياً: متى يتحول النقد النسوي إلى مجرد تقريع أخلاقي متعالٍ؟

فما يبدو ظاهرياً كغضب نسوي، هو في جوهره انعكاس لانزلاق في الخطاب؛ من نقد تمثيلات السلطة والهيمنة، إلى رقابة تُشبه إلى حد كبير ما كانت الحركة النسوية تُحاربه أصلاً.

ازدواجية المعايير: من الاحتفاء إلى الشجب

بينما تُهاجم كاربنتر بسبب صورة غلاف، نرى تناقضاً واضحاً في تعامل الخطاب نفسه مع حالات مشابهة. الممثلة سيدني سويني نالت هجوماً بسبب إعلان “إيحائي” لصابون، فيما انتُقدت آديسون راي لأنها رقصت بملابس داخلية. لكن هذه الهجمات تحدث في الوقت ذاته الذي يُحتفى فيه بأفلام مثل Babygirl لهالينا راين، أو مشاهد نيكول كيدمان في أدوار أكثر جرأة.

الفرق؟ قد يكون في السن، الشهرة، أو “الهيبة الثقافية”. لكن غياب النقاش عن السياق هو ما يُعري هشاشة هذا النقد.

خوارزميات الغضب: من التحليل إلى التهييج

في بيئة منصات التواصل، يُكافأ الصوت الأكثر تطرفاً وصخباً.

الناشطات الشابات اللواتي يُفترض أن يكنّ صوتاً لتحرير المرأة، يُعدن اليوم إنتاج رقابة أخلاقية تُكافئها الخوارزميات. وإحدى الناشطات وصفت كاربنتر بأنها “عار على كل النساء اللاتي سبقنها”، بينما يتصدر حسابها منشورات تُحيي إنجازات النساء في التاريخ. لكن من يراقب عن كثب، يُدرك أن النسوية التاريخية لم تكن موحّدة.

“حروب الجنس” في السبعينيات شهدت انقساماً حاداً بين من رأت في الإباحية قهراً محضاً، ومن دعت لتحليلها كأداة قوة. وأنجيلا كارتر مثلاً، رأت في صورة “الجميلة السيئة” تعبيراً معقداً عن الرغبة والسلطة – لا مشهداً مبتذلاً فقط.

غلاف كاربنتر: رمز أم عبء؟

ألبوم “Best Friend of Man”، حيث تظهر سابرينا في وضعٍ مسرحي مثير، لا يختلف كثيراً عن الرموز التي طالما شغلت النقاشات النسوية. ولكن المشكلة ليست في الصورة، بل في رد الفعل الجماعي. حتى المنتج الموسيقي الشهير بيت ووترمان هاجمها، متناسياً أنه صنع ثروته من خلف ملابس كايلي مينوغ في التسعينيات. والذاكرة الانتقائية هنا تكشف أن المشكلة ليست في التعبير الأنثوي، بل في من يملكه.

ما وراء الرقابة: الخوف من جسد المرأة

من الطبيعي أن تُثير صور الخضوع الجنسي قلقاً مشروعاً، لكن الرد عليها بالتقريع والتوبيخ ينسف جوهر النسوية: التحرير والاختيار.

حين تُرفض كاربنتر لأنها تمارس “الإثارة”، أو تُنتقد راي لأنها “لا تمثل النسوية بشكل لائق”، فإن الخطاب يكرر نفسه: من يحق له تمثيل الأنوثة؟ ومن لا؟

هذا الجدل استخدم سابقاً ولا يزال لاستبعاد النساء الترانس من دوائر التمثيل النسوي، بحجة “النقاء الأنوثي”.

 أسئلة نحتاج أن نطرحها

من يستفيد فعلاً من تحويل كل تعبير نسائي إلى مادة للتقريع؟

هل يخدم هذا “الغضب الأخلاقي” قضايا النساء أم يكرس وصاية ثقافية جديدة؟

ما العلاقة بين الرغبة، السوق، والتمكين؟

تحميل النساء مسؤولية العنف الذكوري بسبب تعبيراتهن الجسدية، ليس نقداً… بل استمرار لقمع قديم في شكل جديد.

 كاربنتر تُغني… والجدل مستمر

في إحدى أغانيها، تقول سابرينا: “لا أستطيع الهروب من تاريخك”. وقد يكون هذا أصدق ما يمكن أن يُقال في وجه ناقدين يرتدون عباءة نسوية، وهم يُعيدون نسج خيوط وصاية أخلاقية قديمة. فالمشكلة اليوم ليست في عودة “البوبّ المثير”،

بل في خطاب نقدي فقد بوصلته، فصار يُمارس الرقابة باسم التمكين…

نسوية بلا نساء، ونقد بلا أسئلة.

سولين غزيم

صحفية سورية متخصصة فى الفن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى