العطش يقترب من أبواب بريطانيا: هل تنقذ “المياه الرمادية” المستقبل؟
مع تحوّل الطقس البريطاني إلى أكثر جفافاً، يطالب الخبراء بثورة في إدارة المياه تبدأ من داخل المنازل.

مع تحوّل الطقس البريطاني إلى أكثر جفافاً، يطالب الخبراء بثورة في إدارة المياه تبدأ من داخل المنازل.
لطالما ارتبطت بريطانيا بصورة المطر الدائم والضباب الكثيف، لكن تغيّر المناخ يعيد تشكيل هذه الصورة سريعاً. فقد أظهرت موجات الحر المتكررة أن البلاد تواجه تحدياً وجودياً في أمنها المائي، وتحديداً إنجلترا، التي يُتوقع أن تعاني من نقص يومي يصل إلى 5 مليارات لتر بحلول عام 2055. ومع استمرار الاستهلاك المرتفع وتسربات الشبكات، يرى العلماء أن الحل لا يكمن فقط في الهندسة أو البنية التحتية، بل في تغيير ثقافي جذري في كيفية تعاملنا مع المياه.
الحلول الكلاسيكية لم تعد كافية
تعتمد خطة الحكومة الحالية على تقليص التسريبات وخفض استهلاك الأفراد، إلى جانب بناء مشاريع ضخمة كخزانات ومحطات جديدة. لكن مع فقدان الثقة العام بشركات المياه، خاصة بعد سلسلة فضائح تلويث الأنهار، فإن الحملات التي تطلب من الناس تقليص وقت الاستحمام أو إغلاق الصنابير لم تعد تلقى الاستجابة المطلوبة.
المياه الرمادية: مورد مهمل في قلب المنزل
رغم التقدم التكنولوجي، لا تزال “المياه الرمادية” وهي المياه الناتجة عن الاستحمام والغسيل، غائبة عن النقاش العام والسياسات الحكومية. ويُهدر البريطانيون هذه المياه يومياً، في وقت يمكن فيه إعادة استخدامها داخل المنزل، مثلاً في المراحيض أو ري الحدائق. وفي دول مثل قبرص وأستراليا، أدى هذا الاستخدام إلى خفض استهلاك المنازل بنسبة تصل إلى 50%.
أرقام مقلقة ومقارنة أوروبية صارخة
يستهلك المواطن البريطاني في المتوسط 142 لتراً يومياً، مقارنة بـ78 لتراً فقط في سلوفاكيا الأقل في أوروبا. ورغم أن الهدف الرسمي هو خفض الاستهلاك إلى 122 لتراً بحلول عام 2038، فإن قلة من الناس يدركون وجود هذا الهدف أساساً، نتيجة غياب الحملات التوعوية الفعالة حتى الآن.
الهيئة المنظمة للمياه “أوفوات” وعدت بحملة وطنية، لكن انطلاقتها تأخرت مراراً، مع وعود أخيرة بإطلاقها في خريف هذا العام.
تركيز على مشاريع عملاقة… وتجاهل لحلول منزلية
تُنفق شركات المياه ميزانياتها على مشاريع ضخمة، مثل محطات التحلية وخزانات التخزين، في حين تغيب الاستثمارات الصغيرة التي يمكن أن تُحدث فارقًا في كل منزل. ويقول مارك لويد، المدير التنفيذي لمؤسسة “ترست الأنهار”:
“المياه ليست نفايات، بل مورد حيوي علينا إدارتُه بحكمة حيث يسقط، وليس حيث يتسرب”.
دروس من العالم: اليابان وأستراليا وقبرص تسبق بريطانيا
في اليابان، تنتشر المراحيض التي تحتوي على مغسلة فوق الخزان، مما يسمح بإعادة استخدام مياه اليدين في الطرد. وفي قبرص، ساعدت الأنظمة المنزلية في تقليص الاستهلاك بشكل كبير، رغم ظروف الجفاف القاسية. هذه النماذج توضح أن التغيير ممكن، لكنه يتطلب رؤية واستعداداً سياسياً وتنظيمياً.
دعوة لاستراتيجية وطنية شاملة
يطالب خبراء، أبرزهم ألاستير تشيشولم من معهد المياه والإدارة البيئية، بخطة وطنية لتكريس ثقافة إعادة الاستخدام. ويقترح تشيشولم:
تعديل القوانين التي تفرض على الشركات توصيل مياه شرب فقط، حتى في الاستخدامات غير الصالحة للشرب.
تحديث لوائح البناء لفرض أنظمة حفظ المياه في جميع الأبنية الجديدة.
تعزيز التوعية المجتمعية بشأن استهلاك المياه وأساليب التوفير.
ويختم قائلًا: “علينا أن نعامل مياه الأمطار والمياه الرمادية ككنز لا كمجرد فائض. إنها معركتنا المقبلة في مواجهة الجفاف”.