البقرات الحمراء… وهدم الأقصى: حين تتحول الخرافة إلى قناعة، والانتظار إلى هزيمة
حين تُربكنا الشائعات، ويغتالنا الصمت باسم "العلامات

كلما وقع زلزال، أو اندلعت حرب، أو حدثت كارثة، تتعالى الأصوات ذاتها: “اقتربت الساعة… هذه من علامات النهاية!”
لكن، ما الذي يدفعنا فعلًا إلى هذا التفسير التلقائي؟هل هو الإيمان؟ أم العجز؟ وهل نحن نُدرك الحقيقة؟ أم نُردّد ما زُرع في أذهاننا منذ زمن دون أن نراجع أصل ما نعتقده؟
شروق الشمس من مغربها… حقيقة لا تُنكر
نعم، هناك علامات كبرى لقيام الساعة، وشروق الشمس من مغربها من أعظم هذه العلامات، وقد ثبتت بأحاديث نبوية صحيحة لا مجال للجدل حولها.
يتعامل الناس مع هذه العلامة على أنها من المُسلّمات، وهي كذلك بالفعل. لكن الخلل بدأ حين أصبحنا نُلصق بكل كارثة أو انهيار أو مأساة دينية أو سياسية، صفة “العلامة الكبرى”، وكأن كل ما يحدث هو تنفيذ حرفي لنهاية محتومة لا تُرد.
هدم الأقصى… حين تتحول الشائعات إلى عقيدة
ومن بين ما ترسّخ في أذهان كثير من الناس أن هدم المسجد الأقصى علامة من علامات الساعة، واصبح للأسف مسلمة من المسلمات التي قد زرعتها عقول وأيادِ صهيونية بالأساس بدأتها وظلت تروج لها ..
فأصبح البعض يعترض على هدم المسجد الأقصى ولكنه يرى ان هدمه مسلمه من المسلمات وعلامه حقيقية من علامات الساعة ..
لكن بالرجوع إلى النصوص، لا نجد حديثًا صحيحًا وصريحًا يربط هذا الحدث بعلامات القيامة الكبرى.
إنها فكرة شاعت دون سند، تغذّت على الخوف، وسُوقت على أنها جزء من مشهد النهاية،
بينما هي في أصلها سردية مشوّشة، لا تستند إلى وحي، بل إلى اجتهادات وضعف في التمييز بين الدين والسياسة.
البقرات الحمراء… قدسية مزيفة تُهيئ للهدم
وفي المقابل، يتحرك الاحتلال الإسرائيلي بخطى واضحة ومدروسة، لا فقط نحو تهويد الأرض، بل نحو هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث مكانه.
ومن بين الطقوس التي يُعِدّ لها منذ سنوات، مشروع “البقرة الحمراء”، وهي بقرة يُشترط في معتقداتهم أن تكون حمراء صافية بلا عيب، لتُستخدم في “تطهير” المكان قبل بناء الهيكل.
وقد تم بالفعل استيراد بقرات حمراء من الخارج، وتربيتها بعناية في مزرعة محصّنة.
التمهيد جارٍ، والسيناريو جاهز: تفجير مشبوه، اتهام للمقاومة، إعلان نجاسة المكان، ثم الهدم… ثم البناء. كل ذلك باسم الدين، وبمباركة دولية، وصمت عربي.
لا نرتاح لفكرة النهاية… بل نُشلّ بسببها
المفارقة أننا لا نشعر بالراحة حين نسمع أن “القيامة اقتربت”، بل نشعر بالخوف، بالعجز، بالشلل، ومع ذلك نُسلّم أنفسنا لهذا التصور كأنه قضاء لا مفر منه. وهنا تكمن المأساة: حين نُلبِس الاستسلام ثوب الإيمان، ونُبرر السلبية بأنها “تفويض للأقدار”، وننسحب من الواقع باسم علامات لم تأتِ بعد.
القيامة ليست مخرجًا… بل محكمة
قيام الساعة ليست مخرجًا من الفعل، بل بابًا للحساب. وليست حجة لتأجيل المواقف، بل لحظة تُختَم بها حياة الإنسان وما فيها من سُكوت أو شهادة.
وقد أخبر النبي ﷺ أن الكعبة سيهدمها في آخر الزمان “ذو السويقتين من الحبشة”،
ولكن هذا لا يحدث إلا حين يختفي الإيمان تمامًا، ولا يُقال في الأرض “الله”، أي حين لا يبقى مَن يدافع عنها، لا جسدًا ولا روحًا.
أما الآن، فما زالت الكعبة عامرة، والأقصى صامد، والمواقف تُسجَّل.
فلا يصح أن نُسكت ضمائرنا باسم روايات لم تثبت، ولا أن نُصادق على مشاريع الهدم باسم “ما سيحدث حتمًا”.
بين قدرٍ لم يأتِ بعد… وواجب لا يُؤجّل
نهاية العالم قد تكون بعيدة، لكن نهاية الإنسان أقرب مما يظن. فمن مات، قامت قيامته، وسُئل عمّا قال وسكت، وعمّا صدّق وسلّم، وعمّا رأى ورضي.
من المؤكد انه ليس كل خراب علامة، وليس كل علامة تُعفيك من المسؤولية ، وليس كل سكوت صمتًا نبيلاً. استقيموا يُرحمكم الله، فما زال هناك وقت للوعي، وما زالت هناك فرصة للحقيقة ؛لكنها لا تنتظر طويلًا.