الجنون يسيطر على أسعار السلع: دورة ارتفاع وانهيار بلا نهاية
اضطرابات المناخ والجغرافيا السياسية والتكنولوجيا الخضراء تُعمّق دوامة الأسعار

أصبحت الأسواق العالمية تعاني من تقلبات أسرع وأعمق، تؤثر على الاقتصادات من الشرق إلى الغرب، وبينما كانت بعض الصناعات تتمتع بمنحنيات سعرية واضحة، تظل السلع الأساسية رهينة لدورات صعود وانهيار غير متوقعة.
في مسلسل “لاند مان”، يعبر أحد أبطال العمل، عامل النفط “تومي نوريس”، عن نظرية مثالية: برميل النفط بسعر 78 دولارًا هو الأفضل للجميع. ولكن السعر اليوم عند 65 دولارًا فقط – الأسوأ من ذلك أنه لا يستقر، بل يقفز مع كل توتر جيوسياسي جديد.
دراسة حديثة للبنك الدولي كشفت أن دورات السلع باتت أقصر وأكثر حدة مما كانت عليه خلال العقود الماضية.
من 1970 إلى 2024. شهدت كل سلعة أساسية – في المتوسط – 14 دورة كاملة من الارتفاع والانهيار، ويشير البنك إلى أن فترات الركود أصبحت أقصر، ولكن أكثر اضطرابًا.
أحد أسباب هذا التقلب هو بطء الإنتاج، فحفر آبار النفط أو زراعة الحبوب يتطلب وقتًا واستثمارًا طويل الأجل، بينما يتغير الطلب في لمح البصر.
في الزراعة تحديدًا، فإن تلف المحاصيل ومحدودية التخزين يجعلان السوق أكثر هشاشة أمام أي صدمة.
تفاقم دور المضاربين في الأسواق، مع دخول المستثمرين الماليين إلى عالم السلع بحثًا عن الربح السريع، ما زاد من شدة التقلبات.
تحولات هيكلية تغيّر قواعد اللعبة
ما بعد عام 2000، أصبحت الأسواق أكثر عرضة للصدمات. فمع الجائحة، والحرب في أوكرانيا، والتحول نحو الطاقة النظيفة، دخل العالم في “نظام سلعي جديد”، وفق توصيف البنك الدولي.
من أبرز التغيرات:
- التحول الأخضر: الطلب المتزايد على معادن مثل الليثيوم والنحاس والنيكل، بسبب توسع الطاقة المتجددة.
- الطقس المتطرف: فترات الجفاف والفيضانات باتت تعرقل الإمدادات الزراعية.
- الحمائية العالمية: تصاعد النزاعات التجارية وتجزئة سلاسل التوريد عمّق هشاشة الأسواق.
الخطر الأكبر على الدول النامية
البلدان النامية هي الأكثر تضررًا من هذا الواقع الجديد، حيث يعتمد ثلثاها على صادرات السلع كمصدر رئيسي للدخل.
مع كل موجة تقلب، يصبح من الصعب على هذه الدول التخطيط المالي وتوفير الاستقرار الاقتصادي.
أما البنوك المركزية الكبرى، فقد أصبحت بدورها عاجزة عن تجاهل أسعار السلع، إذ تؤثر بشكل مباشر على معدلات التضخم، ما يجبرها على مراجعة سياساتها النقدية بوتيرة أسرع من المعتاد.