حوادث وقضايا

الضربة الصامتة: كيف دمّرت أمريكا منشآت إيران النووية دون إطلاق رصاصة؟

الولايات المتحدة تستخدم قنبلة GBU-57 في ضرب منشآت نووية إيرانية

في 22 يونيو 2025، نفّذت القوات الجوية الأمريكية أول استخدام عسكري فعلي لقنبلة GBU-57 “مخترقة التحصينات الضخمة”، مستهدفة منشآت نووية إيرانية تحت الأرض. من بين الأهداف الثلاثة، كانت منشأة “فوردو” المحصنة في صدارة القائمة. هذه الضربة، التي نفذتها ست قاذفات شبحية من طراز B-2، لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل رسالة استراتيجية مفادها أن واشنطن مستعدة لاستخدام أغلى أسلحتها التقليدية وأكثرها دقة عندما تتعلق الأمور بأمنها القومي ونووي إيران.

 

قنبلة GBU-57: قمة ما أنتجته الترسانة الأمريكية غير النووية

تُعد قنبلة GBU-57 MOP (Massive Ordnance Penetrator) أقوى قنبلة تقليدية في العالم من حيث القدرة على اختراق التحصينات. تزن القنبلة نحو 30 ألف رطل، وتحتوي على أكثر من 5,300 رطل من المتفجرات الشديدة الانفجار، ولا يمكن حملها إلا عبر قاذفتي B-2 أو B-52 (مع استبعاد الأخيرة لضعفها أمام أنظمة الدفاع الجوي الحديثة).

 

وقد بدأت عملية تطوير هذه القنبلة عام 2004 بعد إخفاقات قنابل الاختراق السابقة في حرب العراق. ومنذ ذلك الحين، أصبحت GBU-57 الخيار الأمثل لتدمير المنشآت النووية أو القيادية المحصنة بعمق تحت الأرض.

 

قدرات خارقة في الاختراق والدقة

تم تصميم GBU-57 لاختراق ما يصل إلى 200 قدم من الصخور الصلبة، أو 60 قدمًا من الخرسانة المسلحة، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف قدرة سابقتها GBU-28. ويُعزى هذا الأداء الخارق إلى الغلاف المعدني المصنوع من سبائك الكوبالت المقواة، بالإضافة إلى نظام توجيه متطور يجمع بين GPS ووحدة توجيه بالقصور الذاتي.

 

لكن الميزة الحاسمة تكمن في الصاعق الذكي الذي يتأخر في التفجير حتى يتأكد من أن القنبلة قد اخترقت منطقة حرجة من الهدف، ما يجعل التأثير كارثيًا على أي منشأة محصنة.

 

من قاذفات الحرب العالمية إلى القنابل الذكية: تطور لافت

للمقارنة، كانت قاذفات B-17 في الحرب العالمية الثانية تلقي قنابل تزن نحو 4,000 إلى 8,000 رطل، لكن دقتها لم تكن تتجاوز نسبة 20% ضمن نطاق 1,000 قدم من الهدف. أما اليوم، فتستطيع GBU-57 إيصال أكثر من 5,000 رطل من المتفجرات إلى عمق عشرات الأمتار داخل الأرض، وبدقة شبه مطلقة، ما يجعلها ثورة في مفهوم القصف الاستراتيجي.

 

سلاح باهظ… لكنه استثمار استراتيجي

كلفة إنتاج GBU-57 غير معلنة رسميًا، لكن التقديرات تشير إلى أنها تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات للوحدة الواحدة. وعند إضافة تكلفة تشغيل القاذفة B-2 (نحو 150,000 دولار للساعة)، يصبح من الواضح أن هذه القنبلة ليست للاستخدام التكتيكي، بل الاستراتيجي فقط.

 

لكن في حالة عملية “ميدنايت هامر” (Midnight Hammer)، حيث استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، فإن العائد الاستراتيجي يفوق الكلفة: تعطيل برنامج نووي قد يتطلب سنوات لإعادة بنائه.

 

فوردو في مرمى النيران: خسائر يصعب تعويضها

بحسب تقارير، استخدمت الولايات المتحدة ست قنابل GBU-57 ضد منشأة فوردو وحدها، أي ما يعادل أكثر من 32 ألف رطل من المتفجرات انفجرت في قلب البرنامج النووي الإيراني. وانتشرت مشاهد لهب على شكل فِطر ترتفع لمئات الأقدام فوق موقع الضربة، ما يشير إلى مدى الدمار.

 

حتى لو لم يكن التدمير كاملًا، فإن إعادة بناء المنشآت المستهدفة ستستغرق سنوات وتتطلب استثمارات ضخمة في وقت تعاني فيه إيران من أزمة اقتصادية خانقة، ما يجعل العملية ضربة موجعة سياسياً واستراتيجياً.

 

ختام: قنبلة تردع قبل أن تدمر

القنبلة GBU-57 ليست مجرد أداة عسكرية، بل هي رسالة ردع سياسية تقول: واشنطن قادرة على ضرب أكثر مواقع العدو تحصينًا من دون اللجوء إلى السلاح النووي. وبينما يراقب خصوم الولايات المتحدة هذه التطورات، يبقى السؤال الأكبر: هل ستبقى GBU-57 أداة ردع فقط، أم سنراها تُستخدم مجددًا في ساحات أخرى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى