هل تعلّم لغة جديدة يطوّر دماغك؟ العلم يقول: نعم.. ولكن بشروط
التحدث بلغتين لا يصنع عباقرة، لكنه قد يحمي الدماغ من الشيخوخة ويفتح أبوابًا للتواصل والمرونة الذهنية

على مدى عقود، احتفى العلماء بفكرة أن التعدد اللغوي يعزز الدماغ، يؤخر الخرف، ويحسّن ما يُعرف بـ”الوظائف التنفيذية” كالتخطيط والانتباه. حتى أن بعض الدراسات زعمت أن التحدث بلغتين يؤخر الزهايمر أربع سنوات كاملة. ولكن بمرور الوقت، فشلت بعض الدراسات في تكرار هذه النتائج. ما جعل العلماء يتراجعون خطوة، ويسألون: هل هذا التأثير حقيقي فعلًا؟ وإن كان كذلك، فكم هو قوي؟
الخبر الجيد: لا تحتاج أن تكون عبقرياً لتستفيد
ليس عليك أن تتقن لغة ثانية منذ الطفولة. دراسة نُشرت عام 2019 كشفت أن تعلم لغة جديدة في سن البلوغ لا يطوّر الوظائف العقلية مباشرة، لكنه يساعد في إبطاء التدهور العقلي مع التقدم في السن. وببساطة: تعلّم لغة جديدة قد لا يجعلك أكثر ذكاءً، لكنه بالتأكيد يجعلك أكثر استعداداً لمواجهة آثار الشيخوخة الذهنية.
من يستفيد أكثر؟ الاستخدام اليومي هو السر
الاستفادة الأكبر تعود لمن يستخدمون اللغة الثانية بشكل يومي. مجرد دراسة لغة جامعية لا يمنحك نفس الأثر الإيجابي الذي يحصل عليه من يستخدم لغتين يومياً في العمل أو الحياة. وعلى سبيل المثال، المترجمون الفوريون يُظهرون قدرة عالية على القفز الذهني بين المهام، ما يُشير إلى مرونة معرفية واضحة.
عوامل مربكة: ليس التعدد اللغوي وحده هو السبب دائماً
تعلّم لغة أجنبية قد يرتبط بعوامل اجتماعية واقتصادية. مثلاً، الطفل الذي نشأ في بيئة دبلوماسية قد تكون لديه فرص تعليمية أوسع — وليس بالضرورة أن يكون التعدد اللغوي هو السبب الوحيد وراء تفوقه المعرفي. وفي المقابل، في مناطق فقيرة، يمكن أن يُعزز التعدد اللغوي الأداء الذهني لأنه قد يعوض نقص التحفيز التعليمي.
الأطفال وكبار السن هم الرابحون الكبار
التعدد اللغوي يؤثر بوضوح على فئتين عمريتين:
الأطفال الصغار: يظهر لديهم تفوق في النمو المعرفي، خاصة تحت سن 6 سنوات، كما أظهرت 25 دراسة من أصل 45. لكن التأثير قد يتلاشى مع العمر.
كبار السن: يظهر لديهم تأثير أقوى في مقاومة التدهور العقلي المرتبط بالعمر.
العالمة الكندية إلين بياليستوك تُشبه تأثير التعدد اللغوي بـ”شريحة جبن إمنتال مثقوبة”، وكل نشاط عقلي إضافي هو شريحة جديدة تغطي الثغرات، وتحمي العقل بشكل أفضل.
الفائدة التي لا تحتاج دراسات: التواصل
بعيداً عن الجدل العلمي، هناك فائدة لا خلاف عليها: القدرة على التواصل مع الآخرين بلغتهم. هذه وحدها كافية لتبرير تعلم لغة جديدة. فاللغة ليست فقط وسيلة للتفكير، بل أيضاً جسر لفهم الثقافات والناس.
خلاصة:
نعم، لكن لا تنتظر أن تتحوّل إلى أينشتاين.
تعلم لغة ثانية لا يضمن عبقرية فورية، لكنه يمنحك مرونة معرفية، قدرة على التكيّف، ومفتاحاً للتواصل مع العالم. ومع التقدّم في السن، قد يكون تعلم لغة جديدة من أفضل الطرق للحفاظ على صحة الدماغ.