هل تبتعد كوريا الجنوبية عن أمريكا في عهد الرئيس لي جيه-ميونغ؟
كوريا الجنوبية في مآزق بين رئيسها لي جيه-ميونغ وبين الرئيس الأمريكي ترامب

تشهد كوريا الجنوبية مرحلة مفصلية في سياستها الخارجية مع وصول لي جيه-ميونغ إلى الرئاسة، وهو زعيم سياسي لا يخفي ميوله البراغماتية وسعيه إلى تقليص التبعية التقليدية للولايات المتحدة. مع الانفتاح على قوى إقليمية صاعدة مثل الهند، والحفاظ على علاقات ضرورية ومعقدة مع الصين.
ومع عودة دونالد ترامب إلى المشهد الأمريكي أو على الأقل عودة أسلوبه “الصفقي”، يجد الرئيس الكوري الجنوبي الجديد نفسه في قلب معادلة آسيوية مضطربة، تفرض عليه إعادة التفكير في تموضع بلاده بين القوى المتنافسة في منطقة الهندو-باسيفيك.
وفي هذا السياق، يبدو أن إدارة لي تسعى إلى موازنة التحالف مع واشنطن، دون أن تُفقد سيول هامش استقلالها، في وقت تتعزز فيه أهمية الانخراط مع قوى مثل الهند واليابان والآسيان. لتثبيت موقع كوريا الجنوبية كـ”قوة وسط استراتيجية” في آسيا.
بداية حقبة جديدة: هل سيتخلى لي عن التبعية لواشنطن؟
يأتي صعود لي إلى الحكم في وقت يشهد فيه التحالف الكوري-الأمريكي تحديات غير مسبوقة، أبرزها السياسات الأمريكية المتقلبة والضغوط التجارية التي فرضتها إدارات سابقة، أبرزها إدارة ترامب. بعكس سلفه الذي كان يميل لمجاراة واشنطن في ملفات عدة، يبدو لي أكثر ميلاً للاستقلالية، خصوصًا في القضايا التجارية مثل الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الكورية. لكنه لا يسعى للقطيعة، بل لإعادة تعريف العلاقة على أسس أكثر توازنًا.
التنافس الصيني-الأمريكي يفرض معادلة “التوازن الحرج”
تظل الصين الشريك التجاري الأكبر لكوريا الجنوبية، لكنها أيضًا مصدر قلق استراتيجي متنامٍ. فبينما تعاني واشنطن من تراجع في سباق أشباه الموصلات، تواصل بكين صعودها في مجالات الطائرات المسيرة، وبناء السفن، والرقائق. وهذا يضع لي في موقع حساس: كيف يوازن بين الضغط الأمريكي والفرص الصينية دون أن يفقد المبادرة أو يتحول إلى رهينة في صراع الكبار؟
الهند.. شريك محتمل في عصر التعددية
يولي لي أهمية خاصة للهند، ليس فقط كشريك اقتصادي، بل كجزء من استراتيجيته لموازنة العلاقات مع الصين والولايات المتحدة. فالهند تستثمر بقوة في قطاع بناء السفن، وتسعى لتصبح ضمن أكبر خمس دول في هذا المجال بحلول 2047، ما يفتح الباب لتعاون وثيق مع كوريا الجنوبية التي تمتلك خبرة وتكنولوجيا متقدمة لكنها تعاني من نقص العمالة وتأخيرات في الإنتاج.
التعاون الثلاثي مع الهند واليابان: بديل للثنائية الكلاسيكية
يُتوقع أن يتعزز التعاون الثلاثي بين كوريا الجنوبية واليابان والهند، خصوصًا في القطاعات التكنولوجية مثل أشباه الموصلات. هذا التوجه ينسجم مع رؤية لي لسياسة خارجية متعددة الأقطاب، تقلل الاعتماد على الولايات المتحدة، وتنسجم مع نظام دولي أكثر تنوعًا في التحالفات والمصالح.
الملف الكوري الشمالي: بين الحوار والحذر
رغم تصاعد التوترات في شبه الجزيرة الكورية، لا يزال الرئيس لي مؤمنًا بجدوى الحوار مع الشمال. وهو يسعى لإحياء اتفاق التعاون العسكري المشترك الموقع عام 2018، الذي جُمّد في السنوات الماضية. ومع ذلك، فإن تحالف بيونغ يانغ المتنامي مع بكين وموسكو، ووتيرة تجاربها الصاروخية، تفرض على سيول أن تجمع بين الانفتاح السياسي والجاهزية العسكرية.
اقتصاد مترنح وسوق دولية مضطربة: تحديات الداخل والخارج
يرث الرئيس لي اقتصادًا يعاني من ركود نسبي، وسط ضغوط تصديرية ناتجة عن تباطؤ الصين وتذبذب السوق العالمية. ويأمل أن يسهم تنويع الشركاء التجاريين، والانفتاح على أسواق جديدة، في تحفيز النمو الداخلي. لكنه سيحتاج إلى إصلاحات داخلية، وتحسين مناخ الأعمال، كي تستفيد البلاد من فرص الخارج.
دور متزايد في الهندو-باسيفيك.. دون التورط في الاستقطاب
لن تتخلى كوريا الجنوبية عن تحالفها الثلاثي مع واشنطن وطوكيو، لكن يبدو أن إدارة لي تسعى إلى مقاربة أكثر تعددية. فقد تتوسع علاقاتها مع الآسيان والاتحاد الأوروبي، وتساهم في خلق شبكات إقليمية جديدة للتجارة والتكنولوجيا، دون أن تنجر إلى الاستقطاب المتزايد بين أمريكا والصين، خاصة في قضايا مثل بحر الصين الجنوبي وتايوان.
هل تنجح كوريا الجنوبية في التحول إلى “قوة وسط استراتيجية”؟
الطموح موجود، لكن التنفيذ أصعب. فلكي تنجح كوريا الجنوبية في لعب دور القوة المتوسطة في منطقة الهندو-باسيفيك، يتوجب عليها تجاوز ضعف مؤسساتها الاقتصادية، وتضارب سياساتها الداخلية، وتحقيق توازن دقيق بين المصالح الاقتصادية والتحالفات السياسية. نجاح لي في تحقيق هذه المعادلة سيمنح بلاده موقعًا متقدمًا في النظام الدولي الجديد. أما الفشل، فقد يتركها عالقة بين قوى كبرى تتنافس على الهيمنة الإقليمية.
خلاصة التقرير:
في ظل رئاسة لي جيه-ميونغ، يبدو أن كوريا الجنوبية بدأت فصلاً جديدًا في سياستها الخارجية، يعتمد على البراغماتية والتنوع الاستراتيجي بدل التبعية والانحياز. وبينما تسعى إلى الاحتفاظ بعلاقاتها مع واشنطن، فإنها تبحث عن شركاء جدد وتوازنات أكثر استدامة في آسيا، خاصة مع الهند واليابان والآسيان. ومع اشتداد التنافس الجيوسياسي، قد يكون هذا التوجه هو الخيار الأمثل لبقاء سيول قوة فعالة لا تابعة في محيط مضطرب.