هل سيؤثر ترامب على ثقة العالم ويهدد مكانة الدولار الأمريكية؟
تحديات الاقتصاد الأمريكي والسياسات الضريبية وتأثيرها على قوة الدولار العالمي

قبل أكثر من سبعة قرون، ذُهل الرحالة الإيطالي ماركو بولو حين اكتشف أن الصين تستخدم عملة مصنوعة من لحاء شجر التوت بدلًا من الذهب والفضة. اعتبرها معجزة اقتصادية، لكن الإكراه على قبولها أفقدها بريقها. اليوم، لم يعد أحد يُجبرنا على التعامل بعملة معينة، لكن هناك ما هو أكثر فاعلية من الإكراه: الثقة. والدولار الأميركي، منذ أكثر من 75 عامًا، يستند إلى هذه الثقة بوصفه العملة الأولى للتجارة العالمية. الآن، ومع تصاعد القلق من سياسات دونالد ترامب الاقتصادية، يبدو أن تلك الثقة تُختبر بشدة.
تراجع قيمة الدولار وتأثير سياسات ترامب
خسر الدولار أكثر من 10% من قيمته هذا العام، وهو أسوأ أداء في نصف عام منذ عام 1973. وبشكل غير معتاد، يبدو أن هذا التراجع ليس عرضيًا، بل جزء من سياسة مُعلنة تعمد إلى إضعاف الدولار من أجل تعزيز الصادرات، حتى وإن كانت النتيجة تآكل ثروة الأميركيين عند قياسها باليورو أو الين أو اليوان.
عجز الميزانية وتأثيره على الدينار
ما يزيد من تعقيد الوضع أن مشروع ترامب الضريبي الجديد سيضيف ديونًا بمئات المليارات من الدولارات، دون أن يرافقه نمو حقيقي في العائدات الضريبية. ومع اضطرار الحكومة إلى إصدار مزيد من السندات، يرتفع تلقائيًا مستوى القلق بشأن قدرة واشنطن على تمويل التزاماتها المالية دون التضحية بقيمة العملة.
الرسوم على الأجانب وتأثيرها على المستثمرين
المخاوف تتضاعف مع المادة 899 من قانون الضرائب الجديد، التي تهدد بفرض رسوم على الأجانب الذين يحملون أصولًا أميركية، بما فيها سندات الخزانة. قد لا تكون هذه الرسوم كبيرة، لكنها تُعد سابقة تُشبه جزئيًا التخلف عن السداد. وإن جُمعت مع ضعف الدولار وعودة التضخم المدفوع بالتعريفات الجمركية، فإن الصورة العامة لا تبعث على الاطمئنان بالنسبة للمستثمرين الأجانب.
عملات بديلة؟ الواقع والتحديات
حتى اللحظة، لا يبدو أن هناك عملة واحدة مرشحة لتحل محل الدولار. فاليورو لم يحقق سمعة “العملة القوية”، رغم ما تتمتع به أوروبا من استقرار نسبي. الفرنك السويسري يظل موضع احترام، لكن حجمه لا يؤهله لهذا الدور. أما الصين، فقد بدأت خطوات تدريجية منذ عام 2005 لتقوية مكانة اليوان، ويعترف اقتصاديون في الاحتياطي الفيدرالي بأن دوره في التجارة الدولية آخذ في التنامي. لكن منظومة الدولار – بعمقها واتساعها العالمي – ما زالت تتمتع بأفضلية كبيرة يصعب إزاحتها في المدى القريب.
تغير المزاج العام للمستثمرين الدوليين
رغم ذلك، فإن التحولات الجارية في سلوك المستثمرين الدوليين تشير إلى بداية تغير المزاج العام. كثير من كبار المستثمرين بدأوا بتقليص تعرضهم للدولار، ليس فقط بسبب تقلبات سعر الصرف، بل أيضًا بسبب تصاعد الشكوك حول التزام الإدارات الأميركية بالقواعد الاقتصادية التقليدية. فكرة أن يلجأ المستثمرون إلى الأصول الصينية بحثًا عن “استقرار أكبر” كانت تُعد ضربًا من الخيال، لكنها الآن مطروحة بالفعل في مداولات السوق.
إعادة تقييم الاستثمار في الأسهم الأميركية
تقييمات الأسهم الأميركية المرتفعة مقارنة بباقي العالم، والتي تجعلها تشكل أكثر من 70% من المؤشرات العالمية، دفعت البعض لإعادة النظر في توزيع محافظهم الاستثمارية. هذه المراجعة لا تتعلق فقط بالعملة، بل أيضًا بإفراط السوق الأميركي في التقييم.
تنويع المخاطر عبر الشركات متعددة الجنسيات
ومع ذلك، فإن مخاطر العملة لا يجب أن تُضخم في قرارات الاستثمار طويلة المدى. فعند شراء أسهم شركة عملاقة مثل مايكروسوفت، فإن السعر يُدفع بالدولار، لكن القيمة الحقيقية ترتبط بتدفقاتها النقدية عبر مختلف العملات العالمية. بعبارة أخرى، الشركات متعددة الجنسيات تمتص المخاطر نيابة عن المستثمرين من خلال أنشطتها المتنوعة.
دروس التاريخ من الأزمات المالية السابقة
عبر التاريخ، تكررت التحذيرات من الإفراط في الثقة بالعملات الورقية. ففي عام 1716، طبع المغامر الاسكتلندي جون لو عملة ورقية في فرنسا غير مدعومة بالكامل بالمعادن الثمينة، ما أدى إلى أزمة مصرفية وتضخم مدمر. تلك التجربة – وغيرها كثير – تؤكد أن الثقة في أي عملة، حتى الدولار، ليست أبدية.
خلاصة: مستقبل الدولار تحت المجهر
الواقع أن ترامب لا يُطيح بالدولار بين عشية وضحاها، لكن سياساته الاقتصادية غير المنضبطة تقوّض الأسس التي قامت عليها ثقة العالم بهذه العملة. وربما لا يتغير شيء جذريًا هذا العام أو الذي يليه، لكن التآكل الصامت في الثقة العالمية بالدولار قد يكون بدأ بالفعل.