فن وثقافة

عودة صندوق هايلتسوك بعد 150 عامًا: استعادة كنز ثقافي مسلوب في كندا

"الهايلتسوك"قصة صندوق خشبي أعيد لشعبه الأصلي بعد قرن ونصف من النفي

 

في مشهد مؤثر جمع الماضي بالحاضر، عاد صندوق خشبي عتيق من نوع “بنتوود” إلى شعب هايلتسوك (Heiltsuk) في كندا بعد نحو 150 عامًا من النفي القسري.

في رحلة رمزية تعكس النضال المتواصل للشعوب الأصلية في استعادة ممتلكاتها المنهوبة من قبل المستعمرين والبعثات التبشيرية والمتاحف الغربية.

 

“لم أكن أحمل صندوقًا… كنت أُعيد أحد أبنائنا”. 

</p>

جلس إلروي وايت، كبير زعماء هايلتسوك وعضو المجلس المنتخب، داخل طائرة صغيرة متجهة شمالًا من فانكوفر إلى غابات “غريت بير” ال

مطيرة. بجانبه، وتحت حقيبة رمادية، استقر الصندوق الخشبي المُقدس بعناية.

قال وايت: “شعرت وكأنني أحد أفراد العائلة المالكة وأنا أرافق هذا الصندوق في طريق العودة.  لم يكن مجرد غرض، بل أحد أبنائنا الذين غُرّبوا عنا.”

صُنع الصندوق منذ أكثر من قرن من خشب الأرز الأحمر الغربي، باستخدام تقنية قديمة تحوّل اللوح الواحد إلى وعاء مغلق مقاوم للماء.

كان يُستخدم في الاحتفالات وتخزين الطعام أثناء رحلات الكانو عبر المحيط الهادئ.

 

من النهب إلى المزادات: تاريخ موجع من الطرد الثقافي. 

 

بدأت مأساة الصندوق في أواخر القرن التاسع عشر، عندما بدأ عملاء “الهنود” الفيدراليون والمبشرون في مصادرة ممتلكات السكان الأصليين باسم “الحفاظ على الثقافة”.

وتزامنًا مع الحظر الحكومي على طقوس البوتلاتش، وهو احتفال تقليدي يقوم على الهدايا وكرم الضيافة.

تم بيع العديد من هذه الكنوز الثقافية – بما فيها أعمدة الموتى والأقنعة والصناديق – إلى متاحف ومجموعات خاصة في جميع أنحاء العالم.

في صالون بمدينة يوتا… لا مكان لروح الأرز الأحمر. 

 

في عام 2020، وخلال تصفحهما لمزاد في فانكوفر، اشترى الزوجان جانيت وديف ديسلي الصندوق دون معرفة عميقة بتاريخه. لكن شيئًا ما لم يكن صائبًا.

“كان جميلاً بشكل لا يُصدق، لكن لم نجد له مكانًا في منزلنا. لم يكن ينتمي إلى هنا… شعرنا بالذنب”، قالت جانيت.

بفضل اتصالات شخصية، قرر الزوجان إعادة الصندوق إلى شعبه.

“لم يكن هناك خط ساخن لإعادة التحف المنهوبة”، أضافت. “لكننا كنا نعلم أنه يجب أن يعود.”

 

عودة رسمية في حفل دستوري تاريخي. 

 

بعد أكثر من عام من الانتظار في مكتب ساحلي بفانكوفر. عاد الصندوق برفقة إلروي وايت إلى بلدة بيلا بيلا، حيث استُقبل في حفل كبير تزامن مع إقرار دستور هايلتسوك الجديد، الذي أعلن فيه الشعب أنهم أصبحوا “مهندسي مستقبلهم بأنفسهم”.

 

توافد الفنانون المحليون، الذين طالما اضطروا للسفر لرؤية أعمال أجدادهم في متاحف بعيدة، لمعاينة الصندوق عن قرب لأول مرة.

قال أحدهم: “لقد صُنعت هذه القطعة هنا قبل قرن ونصف، وكان من الظلم أن تبقى في قاعة عرض في قارة أخرى.”

رحلة أطول من الصندوق: نضال لاستعادة أكثر من 1000 قطعة. 

 

عودة هذا الصندوق جزء من مشروع أوسع يقوده شعب هايلتسوك. لاستعادة أكثر من 1000 قطعة موزعة على أكثر من 36 مؤسسة حول العالم.

بدأت هذه الجهود في ثمانينيات القرن الماضي، وتوسعت مؤخرًا بفضل قاعدة بيانات رقمية. تحتوي على وصف دقيق للقطع والأضرحة ورفات الأجداد المنهوبة.

لكن التكاليف باهظة: إذ تشير تقديرات إلى أن تكلفة إعادة جميع القطع لشعوب كولومبيا البريطانية فقط قد تصل إلى 663 مليون دولار كندي خلال خمس سنوات.

 

“نريد متحفًا… لكن لنا نحن، لا للزوار”. 

 

يعترف إلروي وايت أن مجتمعه لا يملك حتى الآن متحفًا، وأن المركز الثقافي الموجود مكتظ بالمعروضات. لكنه يُصر: “عندما نبني متحفًا، يجب أن يكون لأجل شعب هايلتسوك أولاً، لا للسيّاح أو الباحثين.”

 

هدية مقابل الروح. 

 

كعربون امتنان، أهدى شعب هايلتسوك الزوجين ديسلي صندوقًا حديث الصنع. اختاره فنان شاب تأثر لسنوات طويلة بأعمال معروضة فقط في متاحف بعيدة.

“الآن يمكنه التعلم من صندوقٍ في قريته، بين أهله،” قال وايت.

 

صندوق يعود، وغابة تتذكر. 

 

وسط الأمطار، تأمل وايت في الأشجار العملاقة التي لطالما شكّلت روح هذا الشعب.

“ربما لا تزال هناك شجرة في غابتنا، تقف بجذع ناقص، لأن فنانًا استخرج منها لوحًا لصنع هذا الصندوق قبل قرون. والآن… عاد الصندوق، وعادت الروح.”

اقرأ ايضا

كيف تُدمر الكتب الجادة عطلتك المريحة وتؤثر على صحتك النفسية؟

ياسمين خليل

ياسمين خليل، حاصلة على ليسانس آداب قسم علوم الاتصال والإعلام، تتمتع بخبرة في إدارة المحتوى والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب مهاراتها في الإعلام والعلاقات العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى