كيف أصبح هوس الكفاءة الدقيقة نمطًا يوميًا في حياتنا الحديثة؟
تفاصيل صغيرة وتعديلات دقيقة تحوّل الروتين اليومي إلى سباق إنتاجية مستمر

في عالم أصبحت فيه الدقائق أغلى من الذهب، يتجه كثيرون إلى ما يُعرف بـ”الميكرو-كفاءة” – وهي تحسينات صغيرة لا تُرى، لكنها تُعد بتحقيق أقصى استفادة ممكنة من كل لحظة. فمن ربط الحذاء مرة واحدة للأبد، إلى تصميم أدوات لتفادي النهوض، تتسابق العقول نحو تقليص الهدر الزمني لأقصى حد.
تفاصيل دقيقة في حياة يومية مُحكمة التنظيم
فيرونيكا بولين، كاتبة ومدربة من جزيرة وايت البريطانية، مثال حي على هذا التوجه؛ إذ تصنع يوميًا كوبين من الشاي: الأول فاتر يُشرب فورًا، والثاني يُترك ليبرد. هدفها؟ توفير دقائق معدودة من غلي الماء مجددًا، والتي تتراكم على مدار العام لتمنحها أيامًا إضافية. وتمتد استراتيجيتها إلى وجباتها، ملابسها، وحتى حذائها الخالي من الرباطات، حيث تقول: “أفضل الاحتفاظ بطاقتي للقرارات الكبرى”.

الكفاءة في أبسط العادات اليومية
جينيفر بابي، سيدة أعمال، قررت استبدال أربطة الحذاء التقليدية بأخرى مطاطية لتوفير دقيقة صباحًا. أما الكاتبة سارة إنغرام، فتدوّن أسماء من يراسلونها على “واتساب” أثناء العمل، لترد عليهم لاحقًا بشكل جماعي، ما يوفّر نحو 25 دقيقة يوميًا. بينما جود سميث تحتفظ بـ11 نظارة موزعة في أماكن متفرقة، فقط لتتجنب تضييع الوقت في البحث عنها.
بين الإنتاجية والقلق النفسي
من الناحية النفسية، تحذر د. رتيكا بيراه من أن السعي الحثيث نحو الكفاءة قد يُخفي خلفه تعبًا نفسيًا مزمنًا يُعرف بـ”القلق عالي الأداء”. وتؤكد: “حين يصبح استثمار كل لحظة أولوية، فإننا لا نعيش فعليًا، بل نحاول النجاة”. بينما ترى المعالجة سوزي ماسترسون أن بعض تلك الممارسات قد تُقارب الوسواس القهري، وتؤثر سلبًا على تقدير الذات.
ازدحام الوقت.. حقيقة أم شعور؟
بحسب تقرير لبنك “لويدز”، لا يملك البريطاني العادي سوى 23 ساعة فقط من وقت الفراغ أسبوعيًا، من أصل 112 ساعة يقظ. ويشعر 86% منهم بأنهم يتمنون لو كان لديهم وقت أطول، ما يدفع كثيرين إلى اعتبار “الميكرو-كفاءة” ليست رفاهية، بل وسيلة للبقاء في مواجهة حياة مزدحمة.

الروتين المُريح أم هوس غير مرئي؟
ورغم المخاوف، فإن معظم من يمارسون هذه الأساليب لا يرونها كأعباء، بل كطرق تمنحهم راحة واستقلالية. تقول بولين: “روتيني يمنحني السلام”، وتعبّر أخرى عن امتنانها لنفسها في الأمس على تجهيز الإفطار اليوم.
لكن يبقى السؤال مفتوحًا: هل هذه التحسينات الصغيرة مجرد محاولات للبقاء في عالم يُقدّس الإنتاجية؟ أم أنها دليل على ذكاء بشري يواجه تعقيدات الحياة بإبداع ومرونة؟
ربما علينا أن نتأمل قليلًا… ريثما يبرد كوب الشاي الثاني على الطاولة.
