عربي وعالمي

عشرون عامًا بعد هجمات 7/7: مسلمو بريطانيا بين الألم والعزلة المتزايدة

تصاعد الإسلاموفوبيا وتآكل الثقة بعد عقدين من تفجيرات لندن الدامية

تمر هذا الأسبوع الذكرى العشرون لتفجيرات لندن التي وقعت في 7 يوليو 2005، والتي لا تزال محفورة في الذاكرة البريطانية، ليس فقط بسبب فداحتها ووفاة 52 شخصًا، بل لما أحدثته من تغييرات عميقة في المجتمع، خاصةً على مسلمي المملكة المتحدة.

فبينما اتحد البريطانيون في الحداد، وجد المسلمون أنفسهم في مواجهة مزدوجة: الحزن من جهة، والشعور بالتجريم الجماعي من جهة أخرى. واليوم، وبعد عقدين، ما زال كثيرون منهم يعيشون تحت وطأة الشك والعزلة، وسط تصاعد الإسلاموفوبيا وتوسيع صلاحيات مكافحة الإرهاب. التقرير التالي ينقل صوت الجالية المسلمة، ويسلط الضوء على أثر 7/7 الذي لم ينتهِ بعد.

جرح لم يندمل: صدمة 7/7 في الذاكرة الجماعية للمسلمين

الهجمات التي استهدفت لندن في 2005 لم تزهق أرواحًا فقط، بل هزّت أيضًا إحساس المسلمين بالانتماء إلى الوطن. الإمام قاري عاصم، المقيم في مدينة ليدز (مسقط رأس ثلاثة من منفذي الهجمات)، وصف شعور الجالية بأنه “ألم صامت” اختلط فيه الحزن بإحساس عميق بالذنب، وكأن على المسلمين أن يثبتوا ولاءهم بشكل دائم رغم كونهم جزءًا أصيلًا من المجتمع.

“الإمام قاري عاصم”

عدسة أمنية ضيقة: عسكرة العلاقة مع المسلمين

منذ اللحظة الأولى بعد الهجمات، بدأت السلطات البريطانية تنظر إلى المسلمين من منظور أمني محض. برنامج “بريفِنت”، أحد أعمدة استراتيجية مكافحة الإرهاب، مثّل تحولًا خطيرًا في التعامل مع الجالية، حيث أصبح العاملون في قطاعات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية مكلفين برصد “مؤشرات التطرف”، ما أدى إلى إحالات متزايدة للأطفال والشباب بسبب سلوكيات قد تكون طبيعية تمامًا.

“الخوف شعب بريطانيا من تعامل مع مسلمين باعتقدهم أنهم ارهاب يهدفون الي تطرف وتخريب “

من الدمج إلى الاشتباه: غياب التواصل المدني

يشير ميلو كومرفورد، مدير السياسات في “معهد الحوار الاستراتيجي”، إلى أن سياسة الحكومة تركزت بعد 7/7 على المراقبة الأمنية بدل الاستثمار في بناء جسور الثقة. ونتيجة لذلك، اتسعت الفجوة بين مؤسسات الدولة والشباب المسلم، الذين يشعرون بأنهم مراقَبون أكثر من كونهم مواطنين شركاء.

“تضيق الحصار على شباب مسلم”

تصاعد الكراهية… وتراجع الحماية

وفقًا لتقارير مؤسسة “تِل ماما”، فإن جرائم الكراهية ضد المسلمين ارتفعت بنسبة 73% عام 2024، مدفوعة بخطابات الكراهية على الإنترنت وانتشار نظريات التفوق العرقي مثل “الاستبدال الكبير”. وتكررت الاعتداءات على المساجد، كما تعرض مسلمون للإهانة علنًا دون محاسبة، بحجة حماية حرية التعبير .

اقرا ايضا 

اطفال غزه في مواجهة المجاعه:ازمه حليب الرضع تكشف وجه الحرب القبيح

إعلام يكرّس الانقسام: من الجسور إلى الجدران

كشفت دراسة حديثة أن قناة GB News وحدها شكّلت نصف التغطية الإعلامية المرتبطة بالمسلمين خلال عامين، وغالبًا بسياق سلبي. وعبّر جابير بات، رئيس “مؤسسة المساواة العرقية”، عن قلقه من أن العداء للمسلمين أصبح “مقبولًا اجتماعيًا” في الخطاب العام، حيث يُمنح بعض المعلقين العنصريين منصات بارزة رغم تصريحاتهم المتطرفه.

جيل مسلم جديد… ينشأ في ظل الشك

تشير بيانات “مجلس المسلمين في بريطانيا” إلى أن غالبية المسلمين هم من الفئة العمرية دون 19 عامًا. لكن هذا الجيل يكبر في بيئة خانقة تتسم بالرقابة والشك. وتقول شابنة بيغوم، مديرة “مؤسسة رني ميد”، إن المجتمع يقف اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن يرسّخ الانقسام، أو يبني سردية بديلة تقوم على الإنسانية والشمول.

نساء مسلمات… بين حجاب الهوية وسهام العنصرية

تؤكد البارونة شايستا جوهير، رئيسة “شبكة النساء المسلمات”، أن النساء المحجبات يتعرضن لأشكال متعددة من التمييز، في الشارع والعمل والإعلام. وتوضح أن الخطاب العنصري الذي كان في الماضي هامشيًا، أصبح اليوم سائدًا في مؤسسات الحكم والإعلام.

رغم العتمة… بارقة أمل في التغيير

ورغم التحديات الكبيرة، يشير البعض إلى مؤشرات إيجابية: تزايد مشاركة المسلمين في الحياة العامة، نمو المبادرات الخيرية الإسلامية، وتعزيز جسور الحوار بين الأديان. إلا أن هذه الجهود، على أهميتها، لا تزال محدودة إذا ما قورنت بحجم الشعور المتنامي لدى المسلمين بأنهم “مستهدفون رسميًا وشعبيًا”.

“ورغم التحديات الكبيرة، يشير البعض إلى مؤشرات إيجابية: تزايد مشاركة المسلمين في الحياة العامه ومشاريع الخيريه “

 7/7 لم تكن نهاية مأساة… بل بدايتها لمسلمي بريطانيا

ما بعد 7/7 لم يكن فقط عن مواجهة الإرهاب، بل عن إعادة رسم حدود الانتماء في بريطانيا. وبعد عشرين عامًا، يبقى السؤال مفتوحًا: كيف تبني الدولة الثقة مع مجتمع يشعر بالتهميش؟ وكيف يكون الأمن نابعًا من الاحترام المتبادل لا من الشك والمراقبة؟ وحده الحوار الحقيقي والاعتراف بالأخطاء كفيل بفتح صفحة جديدة أكثر عدلًا وإنصافًا.

اقرا ايضا:

اعرف أماكن الطرق الجديدة وتحديثات المرور في مصر 2025 … خريطة التطوير والإنجازات

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى