فن وثقافة

كوريا الشمالية: خطر الموت من أجل مشاهدة دراما كورية جنوبية

الدراما الكورية الجنوبية: شغف الكوريين الشماليين رغم خطر العقاب الشديد

في معظم بلدان العالم، لا تكلف مشاهدة مسلسل جيد أكثر من ثمن بيتزا. لكن في كوريا الشمالية، قد يدفع الشخص حياته ثمنًا لذلك. فالمتعة البصرية التي تُقدَّم عبر الدراما الكورية الجنوبية تُعد جريمة تهدد نظام كيم جونغ أون، وتكفي وحدها لإرسال مشاهد إلى معسكر اعتقال أو حتى تنفيذ حكم الإعدام فيه.

ثقافة محظورة.. وعقوبات تصل إلى الإعدام

منذ إقرار قانون “مكافحة الفكر الرجعي” في عام 2020، أصبح اقتناء أو مشاهدة أي إنتاج ثقافي من كوريا الجنوبية—من مسلسلات وأغاني وحتى رسومات أو صور—جريمة يُعاقب عليها بأقصى درجات القسوة. ووفقًا لمنظمات حقوقية، نُفذت بالفعل عمليات إعدام بحق مواطنين بسبب مشاهداتهم، من بينهم مزارع شاب أُعدم عام 2022 بعد أن استمع إلى 70 أغنية كورية جنوبية وشاهد 3 أفلام فقط.

ومع ذلك، لا يزال الكوريون الشماليون يُقبلون على هذه الأعمال الفنية كما لو أنها أكسير الحياة.

ففي استطلاع أجري بين منشقين عن النظام بين 2016 و2020، قال 83% منهم إنهم شاهدوا دراما كورية جنوبية قبل فرارهم. “لا أحد يصرّح بذلك علنًا، لكنني لم أعرف شخصًا لم يشاهد مقطعًا أجنبيًا واحدًا على الأقل”، تقول كانغ كيو ري، التي انشقت عام 2023.

لماذا يخاطرون بحياتهم من أجل “مسلسل حب”؟

لفهم حجم الجاذبية، يكفي إلقاء نظرة على ما يُقدَّم رسميًا على شاشات كوريا الشمالية: قصص عن نساء يتركن أحباءهن من أجل إصلاح مصنع بطاطين عتيق، أو يمضين حياتهن في مدح الزعيم. الحب والعاطفة شخصية محرّمة، إلا إذا كانت موجهة نحو “القائد العظيم”.

على النقيض، تفيض الدراما الكورية الجنوبية بالمشاعر والتعبير الحر عن الحب

تقول ريو هي جين، سبّاحة سابقة من بيونغ يانغ: “في كوريا الجنوبية، يقولون ‘أحبك’ بحرية. في الشمال، لا يحق لك أن تحب أحدًا سوى كيم جونغ أون”.

البطلات الملهمات: نموذج نسائي يقاوم البؤس

من بين المسلسلات التي شكّلت وعي المشاهدين الشماليين، يبرز مسلسل May Queen كقصة ملهمة. بطلتها تشون هاي جو تتغلب على الفقر والمؤامرات العائلية لتصبح مهندسة سفن، وتجد الحب دون أن تضطر للتخلي عن طموحاتها. “كانت قدوتي”، تقول كانغ، التي كانت تعمل هي الأخرى في مجال بناء السفن. “أعطتني القوة لأواصل… كنت أرى نفسي فيها”.

ليست مجرد تسلية.. بل نافذة إلى عالم محرَّم

يقول لي كوانغ بايك، من مجموعة “يونيفكيشن ميديا”، إن المسلسلات لا تُقدم تسلية فحسب، بل تكشف واقعًا كان النظام يخفيه لعقود. النظام لطالما صوّر الجنوب كـ”جحيم رأسمالي”، لكن اللقطات العفوية من الشوارع المزدحمة بالسيارات والمطاعم والبيوت المترفة تكشف كذب هذه الدعاية.

تتذكر كانغ لحظة مشاهدة بطل مسلسل Boys Over Flowers بقصة شعر “الأناناس”، وكيف بدت حرية التصفيف وكأنها حلم بعيد المنال. واليوم، يُقلّد الحلاقون الكوريون الشماليون تسريحات الجنوب، ويتحدث الشباب بطريقة الجنوب—رغم أن القانون بات يجرّم حتى مناداة الشريك بكلمة “أوبا” (تعبير شائع في الجنوب بمعنى الأخ الأكبر والحبيب).

وسائل المشاهدة: أقراص مهربة وتلفزيونات مخترَقة

يستعين الكوريون الشماليون بأساليب عدة لمشاهدة هذه الأعمال: من تهريب أقراص الذاكرة عبر الحدود مع الصين، إلى اختراق أجهزة التلفاز لالتقاط إشارات خارجية. من يمتلك المال يشتري المسلسلات في السوق السوداء، ومن لا يملك، يستعيرها من الأصدقاء. أما الأغنياء، فلديهم أجهزة رقمية ووسائط مشاهدة أكثر تطورًا.

النظام يرد بقسوة متصاعدة

يرى النظام أن هذه المسلسلات تُهدد أسس ولاء المواطن للدولة. لذا شدّد القوانين مجددًا عام 2023، ووسّع نطاق الإعدام ليشمل حيازة المحتوى المحظور، لا فقط ترويجه. كما أصدر قانون “حماية اللغة الثقافية لبيونغ يانغ” لتجريم استخدام كلمات جنوبية.

ما بين الحلم والمأساة: كيف ألهمت الدراما الهروب الكبير

تقول كانغ إن مشاهداتها للجنوب حفّزت قرارها بالفرار. فخططت مع أسرتها لهروب محفوف بالمخاطر عبر قارب صيد صغير. وبعد مطاردة دراماتيكية، أنقذهم صياد في المياه الكورية الجنوبية. “لقد عشت مغامرة تشبه المسلسل الذي ألهمني”، تقول.

حين تصبح الرومانسية مقاومة سياسية

ما لا يدركه كثيرون هو أن قول “أحبك” في كوريا الشمالية قد يُعد تمرّدًا سياسيًا. ففي بلد يطالبك بحب الزعيم فقط، يصبح الحب الإنساني، الطموح الشخصي، وحتى قصة شعر، شكلًا من أشكال التحدي.

وهكذا، فإن كيم جونغ أون محق في قلقه

فالمسلسلات الوردية التي تُظهر حياة أفضل في الجنوب تهدّد بانهيار سرديته عن “الجنة الاشتراكية”. من شوارع مزدهرة إلى قصص حب جريئة، كل مشهد هو تذكير صامت للمواطن بأنه سجينٌ في بلد يمنعه حتى من الحلم.

في النهاية

قد تبدو الدراما الكورية الجنوبية خفيفة وبريئة في ظاهرها، لكنها بالنسبة للكوريين الشماليين سلاح مقاومة، وأمل حرية، وأحيانًا طريق إلى الهروب من الجحيم، حتى لو كان الثمن هو الموت.

اقرا ايضا 

بلاك سابث تُنهي مسيرتها بحفل أسطوري في مسقط رأسها برمنغهام الخالدة

نيرة احمد

نيرة أحمد صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى