من بيت لانغستون هيوز إلى توني موريسون: بيوت بلا لافتات ولا ذاكرة
بيوت بلا لافتات ولا ذاكرة

في شتاء عام 2023، وقفت الكاتبة ننيكا أوكونا أمام منزل مراهقة الشاعر لانغستون هيوز في كليفلاند، أوهايو. منزل عادي بلون بيج باهت، مزيّن بلمسات برغندية، بلا أي لوحة تشير إلى أن أحد أبرز رموز حركة هارلم الأدبية عاش هنا وكتب. شعور عارم بخيبة الأمل ملأ قلب أوكونا، وأثار أسئلة قاسية: لماذا لا تُحفظ ذاكرة هذا الرجل؟ من يهتم بإرثه إن لم تفعل المدينة التي تربى فيها؟
بعد سنوات، اختبرت أستاذة الإعلام بجامعة كينت، تارا إل. كونلي، شعورًا مشابهًا عندما زارت منزل طفولة توني موريسون في مدينة لورين، أوهايو، وهو منزل متداعٍ بلا أي إشارة تاريخية، محاط بلافتات مؤيدة لترامب. كلا المنزلين مملوكان ملكية خاصة، وهو ما يقيّدهما قانونيًا عن الحصول على حماية تاريخية تلقائية، ويُعبّر عن نمط أوسع من التهميش المتكرر للإرث الثقافي للأدباء السود.
أرقام صادمة تكشف حجم التهميش
رغم وجود 95 ألف موقع مدرج على السجل الوطني للأماكن التاريخية في الولايات المتحدة، لا يُمثل الإرث الأسود منها سوى 2% فقط. هذا يعني أن الغالبية الساحقة من المعالم التي تُعتبر جزءًا من “الذاكرة الوطنية” لا تتضمن حياة وتجارب الأمريكيين من أصل إفريقي. وهو تقصير مؤسسي لا يتعلق فقط بامتلاك البيوت، بل بطبيعة النظام نفسه الذي لا يرى في هذه الأماكن أولوية.
١
الطريق الشائك إلى الحماية الرسمية
الحصول على تصنيف كـ”معلم تاريخي وطني” أو “موقع مسجّل تاريخيًا” يتطلب أوراقًا معقدة، وتمويلًا، وانتظارًا طويلًا. لكن منازل بعض الأدباء السود نجحت في عبور هذه العقبات، مثل منازل ريتشارد رايت، وزورا نيل هيرستون، ولوسيل كليفتون. بعض هذه البيوت حصل على الاعتراف المحلي أو الوطني، وبعضها لا يزال يواجه التهديدات رغم كل شيء.
الصندوق القومي للتراث الثقافي الأسود: استعادة منسية
ردًا على هذا التقصير، أنشأ “الصندوق القومي للحفاظ على التراث الثقافي الأسود” في 2017 مبادرة طموحة جمعت أكثر من 150 مليون دولار حتى الآن، ونجحت في التعاون مع أكثر من 350 منظمة على مستوى الولايات. يقود الصندوق برنت ليغز، مهندس ومؤرخ معماري، ويصف جهوده بأنها “حركة اجتماعية ناشئة” تهدف إلى خلق تحالف واسع لحماية الإرث الأسود من النسيان المؤسسي.
منازل تم إنقاذها: سيمون، كولترين، رايت، وهيرستون
نجحت المبادرات الفردية أو الجماعية في الحفاظ على بعض البيوت، مثل منزل نينا سيمون الذي اشترته مجموعة من الفنانين، أو منزل جون وأليس كولترين، أو منزل ريتشارد رايت في ولاية ميسيسيبي. هذه الأماكن ليست دائمًا مفتوحة للجمهور، لكنها تُشكّل نُقاطًا رمزية للمجتمع الثقافي.
أما منزل زورا نيل هيرستون، الكاتبة والأنثروبولوجية، فلم يُحفظ بعد، لكن مبادرة محلية بدأت تحويل مركز الرعاية الذي ماتت فيه إلى متحف مجتمعي، بدعم من منحة ثقافية بقيمة نصف مليون دولار.

عودة الحياة إلى منزل لوسيل كليفتون
في بالتيمور، أعادت ابنة الشاعرة الراحلة لوسيل كليفتون، سيدني كليفتون، شراء منزل طفولتها عام 2019 بعد أن وجدته معروضًا للبيع. تحوّل المنزل الآن إلى ملاذ للكتّاب والفنانين، مع إقامة ورش عمل وبرامج إقامة، تكرّم إرث والدتها وتواصل رسالتها. “كان هذا البيت دائمًا مكانًا للرعاية والإلهام”، كما تصفه.
منازل مهجورة ولكنها تنبض بالأمل
رغم أن منزل لانغستون هيوز في كليفلاند ما زال مهجورًا، فإن منزله في هارلم يحمل لافتة تاريخية منذ عام 1981، ويحاول مديره الحالي تحويله إلى مركز أدبي نشط. لكنّ غياب الدعم المؤسسي يجعل هذه الجهود متفرقة، وتعتمد في الغالب على مبادرات فردية أو مجتمع محلي واعٍ.
الحفاظ على المكان يعني الحفاظ على الذاكرة
ترى ننيكا أوكونا أن ما يُحفظ هو ما يُتذكر، وما يُنسى هو ما يُطمس من وعي الأجيال القادمة. تحفظ البيوت ليس فقط أحجارًا وإسمنتًا، بل سياقات حياة، وحكايات تشكّلت في زواياها. وكلما تُركت هذه البيوت للتآكل أو للهدم، فُقد جزء من الذاكرة الثقافية السوداء.
بين الحزن والأمل: المعركة مستمرة
مع كل زيارة لمكان منسيّ لأديب أسود، يتكرر السؤال: هل يمكن استعادة هذه المواقع لتكون جزءًا من ذاكرتنا الجمعية؟ برنت ليغز يرى أن الجواب نعم، ويقول: “في لحظات الهشاشة، أؤمن أن بإمكاننا خلق مجتمع أكثر تعاطفًا، من خلال جعل هذه البيوت وسيلة للتعلم والتصالح، ورافعة لإرادة إنسانية تجمعنا جميعًا.”
خاتمة
معركة حفظ الإرث الأدبي الأسود ليست فقط قضية ترميم منازل، بل معركة ضد النسيان المؤسسي والعنصرية التاريخية. إنها دعوة إلى أن نتذكّر من كتبوا لنا، وأن نحفظ جدرانهم التي شهدت على كتابتهم. فربما تكون الخطوة التالية، كما تقترح أوكونا، أن نكتب نحن عنهم – حتى لا يُمحى وجودهم من ذاكرة الأمة.
اقرأ ايضا: