فايننشال تايمز: سلاح الأرض النادرة.. الصين تشعل حرباً تجارية جديدة بنوع مختلف من العقوبا
بكين تقلب موازين المواجهة الاقتصادية مع واشنطن عبر معادن لاغني عنها في الصناعات الغربية

في خطوة تعكس تحولًا جذريًا في أدوات القوة الاقتصادية الصينية، أقدمت بكين هذا العام على تقييد صادراتها من المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات المتقدمة التي تُشتق منها، مهددةً بإغلاق مصانع حيوية في قطاع السيارات العالمي. وفي تقرير حديث لـ فايننشال تايمز، يصف الكاتب كريس ميلر، مؤلف كتاب “حرب الرقائق”، هذه الخطوة بأنها بداية لنوع جديد من الحروب التجارية تستخدم فيه الصين سلاحًا أكثر دقة وفعالية من الرسوم الجمركية: خنق الإمدادات الأساسية للصناعات الغربية الحساسة.
من عقوبات رمزية إلى أدوات ضغط فعّالة
لطالما استخدمت الصين العقوبات الاقتصادية، لكن معظمها كان مبهمًا أو يحمل طابعًا انتقاميًا غير مباشر، مثل منع الرحلات السياحية أو فرض قيود غير معلنة على واردات الفواكه أو المنتجات الكورية. ولكن قيود تصدير المعادن الأرضية النادرة تشكل تحوّلًا استراتيجيًا: سلاح مباشر، حاد، يوجّه نحو الشرايين الصناعية للغرب.
لحظة الانكسار الأمريكي.. وتراجع البيت الأبيض
فرض الصين قيودًا على تصدير المغناطيسات الأرضية النادرة هذا الربيع أربك قطاع السيارات العالمي ودفع البيت الأبيض للتراجع عن رفع بعض الرسوم الجمركية. فبينما اعتقدت واشنطن أن امتلاكها لزمام التصعيد عبر الرسوم سيُجبر بكين على التفاوض، أثبتت الأزمة أن فقدان هذه المعادن الحرجة يمثل نقطة ضغط أكثر إيلامًا لصناعة السيارات الأمريكية من الرسوم نفسها.
أدوات جديدة ودقة أعلى في الاستهداف
الصين لم تلجأ فقط إلى القيود العشوائية، بل أسست خلال السنوات الماضية إطارًا قانونيًا يسمح لها بتنظيم الصادرات الإستراتيجية ومتابعة سلاسل الإمداد حتى خارج حدودها. الآن، تطالب بكين الشركات الأجنبية بعدم استخدام معادنها لتصنيع منتجات مخصصة للجيش الأمريكي، في توسع غير مسبوق للنفوذ الاقتصادي عبر الحدود.
أثر عالمي يتجاوز أمريكا
الأزمة لم تضرب واشنطن وحدها. صادرات الصين من المغناطيسات النادرة انخفضت منذ أبريل إلى شركاء رئيسيين آخرين مثل اليابان وكوريا الجنوبية. حتى شركات السيارات الهندية خفّضت إنتاجها. وفي قمة مجموعة السبع الأخيرة، أحضرت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، مغناطيسًا أرضيًا نادرًا للدلالة على أهمية إيجاد بدائل خارج الصين.
صعوبة احتواء السلاح الجديد
رغم قوة الأثر، لا تزال قدرة الصين على استهداف الولايات المتحدة تحديدًا محدودة، فالمعادن النادرة، كبقية السلع، يمكن إعادة بيعها بسهولة في السوق العالمية. ومع ذلك، يبقى التأثير النفسي والاقتصادي قويًا، خاصة مع غياب البدائل الفعلية حتى الآن.
غفلة غربية عمرها أكثر من عقد
المفارقة أن الغرب كان يعرف أن الصين تهيمن على إنتاج هذه المعادن منذ أكثر من 15 عامًا، وتحديدًا منذ أول أزمة تصدير مع اليابان عام 2011. ورغم بعض الخطوات الخجولة مثل استثمارات اليابان في المناجم الأسترالية أو توسيع كوريا لمخزوناتها، ظل الغرب عاجزًا عن بناء سلاسل توريد بديلة فعالة.
استراتيجيات بلا تمويل ومخزونات هشة
رغم كثرة الاستراتيجيات الوطنية حول “المعادن الحرجة”، لم تخصص معظم الحكومات الغربية التمويل اللازم لتنفيذها. والأسوأ أن العديد من المصنّعين لا يحتفظون سوى بأسبوع واحد من مخزون المغناطيسات الأرضية النادرة، ما يجعلهم عرضة للشلل السريع عند أي أزمة.
الصين تضغط بزر لم يكن سريًا
الكاتب يختتم بتحذير بالغ: العالم الصناعي لطالما كان يعرف خطورة الاعتماد على الصين في هذا المجال، لكنّه اختار التغافل. اليوم، وبعد أن ضغطت بكين أخيرًا على الزر، لم يكن هناك مفاجأة حقيقية، بل كشف مؤلم للضعف البنيوي.