عربي وعالمي

زيارة ماكرون إلى لندن: “صداقة حذرة” في مواجهة شبح ترامب

رغم الأجواء الاحتفالية ورسائل التودد المتبادلة، تلوح في الأفق خلافات عميقة بين باريس ولندن، أبرزها في كيفية التعامل مع ترامب، والتجارة، والهجرة.

 

رغم الأجواء الاحتفالية ورسائل التودد المتبادلة، تلوح في الأفق خلافات عميقة بين باريس ولندن، أبرزها في كيفية التعامل مع ترامب، والتجارة، والهجرة.

 

يحل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضيفاً رسمياً على لندن هذا الأسبوع، في زيارة دولة هي الأولى من نوعها منذ زيارة نيكولا ساركوزي في 2008. ماكرون سيحظى باستقبال ملكي فاخر في قلعة وندسور، تسبقه وترافقه محادثات استراتيجية مع رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر، في مشهد يُعيد شيئاً من الدفء إلى علاقة شابتها خلافات حادة على مدى السنوات الماضية بسبب البريكست وأزمات لاحقة.

 

تحالف يتلمّس طريقه… ومخاوف كامنة

على السطح، العلاقة بين ماكرون وستارمر تبدو ودية. الطرفان يتحدثان بلغة التعاون، خاصة في مجالات الدفاع والهجرة والطاقة النووية. لكن خلف هذه الأجواء الإيجابية، بدأت تظهر ملامح تباينات دقيقة في الرؤى، لا سيما حول كيفية التعامل مع عودة محتملة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة.

 

ترامب.. لغز لا يثق به أحد

في الوقت الذي تفضّل فيه لندن بقيادة ستارمر نهجاً هادئاً في التعامل مع ترامب، يعتمد على المحادثات خلف الأبواب المغلقة، لا يتردد ماكرون في اتخاذ مواقف علنية تستفز ترامب وتستعرض استقلالية القرار الفرنسي. من زيارته الاستعراضية لغرينلاند دعماً للدنمارك، إلى انتقاده لطريقة انسحاب ترامب من قمة G7، ماكرون يبعث برسائل لا لبس فيها. ووصف أحد المسؤولين البريطانيين نهج ستارمر بأنه “وقح ولكن ضروري”، في إشارة إلى سعي لندن لحماية مصالحها عبر تهدئة ترامب لا مواجهته.

 

خلافات تجارية تُعيد التوتر إلى الواجهة

أحد أبرز التوترات برز مؤخرًا في المجال التجاري، حين أبرمت بريطانيا اتفاقاً منفرداً مع إدارة ترامب لتقليل الرسوم الجمركية على صادراتها. فرنسا، التي ما زالت تُعاني من الرسوم الأمريكية، رأت في الخطوة البريطانية محاولة لبيع “الولاء الأوروبي” في سبيل صفقة مع واشنطن. وفي المقابل، تعامل دبلوماسي بريطاني مع الاتهامات الفرنسية بسخرية واكتفى بإرسال “إيموجي لفة عين”، في تعبير غير دبلوماسي عن الضيق من النقد الفرنسي.

 

تنسيق هش في الملف الأوكراني

باريس ولندن تسعيان لتوحيد الصف الأوروبي لدفع مفاوضات وقف إطلاق النار في أوكرانيا، لكن غياب قيادة واضحة والاعتماد البريطاني المفرط على الضمانات الأمنية الأمريكية يُعرقل المبادرة. ومع أن زيارة ماكرون تتضمن اجتماعاً مهماً لـ”تحالف الراغبين”، فإن مسؤولين فرنسيين يرون أن ماكرون يحاول استغلال الحدث لتعزيز صورته كزعيم دولي، مع اقتراب نهاية ولايته.

 

قضايا الهجرة والصيد.. ندوب قديمة لا تلتئم

التوترات لم تغب في ملفات الهجرة والصيد البحري. فرنسا تشعر بأنها لم تحظَ بتنازلات عادلة من بريطانيا بعد البريكست، بينما تتهم لندن باريس بالتراخي في وقف عبور المهاجرين عبر القنال الإنجليزي.

باريس ترد بأن الهجرة ليست مسؤولية فرنسية بحتة، بل قضية أوروبية شاملة تتطلب حلولاً جماعية، لا لوماً ثنائياً.

 

مصالح أكبر من الخلافات

رغم الخلافات المتعددة، يدرك ماكرون وستارمر أن التعاون بين باريس ولندن ضروري في عالم تتسارع فيه التحديات الجيوسياسية. فلا مكان لعزلة أوروبية أو أطلسية، خاصة في ظل الغموض المحيط بمستقبل العلاقة مع واشنطن في حال عودة ترامب. وكما يعلق أحد المقربين من ماكرون: “صحيح أن لكل منهما أسلوبه، لكنهما يتشاركان الرؤية. إنهما بحاجة لبعضهما البعض”.

 

أقرأ أيضاً:

كييف تغيّر استراتيجيتها: شراء السلاح الأمريكي عبر أوروبا بدلاً من انتظار المساعدات.

سولين غزيم

سولين غزيم صحفية سورية ، تتميز بقلمها الجريء واهتمامها العميق بالقضايا الإنسانية والاجتماعية. تعمل على تسليط الضوء على هموم الناس بصوت صادق، وتنقل الحقيقة من قلب الحدث بموضوعية وشغف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى