المحكمة العليا الأمريكية تُمهّد الطريق لتسريحات جماعية داخل الوكالات الفيدرالية
قرار تاريخي يسمح لترامب بالمضي في إعادة هيكلة الحكومة دون الرجوع إلى الكونغرس

في خطوة وُصفت بأنها واحدة من أخطر التعديلات على هيكل السلطة التنفيذية الأمريكية منذ عقود، أصدرت المحكمة العليا في واشنطن يوم الثلاثاء قرارًا يسمح لإدارة الرئيس دونالد ترامب بالمضي قدمًا في تنفيذ خطة واسعة النطاق لتقليص الجهاز البيروقراطي الحكومي، عبر تسريح عشرات الآلاف من الموظفين في أكثر من 20 وكالة فيدرالية، من بينها وزارات الإسكان والخزانة والخارجية.
قرار “طارئ” وبدون شفافية
القرار، الذي جاء على شكل أمر طارئ دون توقيع أو تعداد للأصوات، لا يُعدّ حكمًا نهائيًا حول مشروعية عمليات التسريح، لكنه يرفع الحظر المؤقت الذي فرضته المحاكم الدنيا، ما يسمح فعليًا للإدارة بتنفيذ خططها على الفور — حتى لو تقرّر لاحقًا أن هذه الخطط غير قانونية.
وكتب القضاة أن “الحكومة من المرجح أن تنجح في دفاعها عن مشروعية الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب لتقليص حجم الحكومة”، دون الخوض في تفاصيل مشروعية التسريحات أو إغلاق الوكالات بعينها.
رفضٌ قاطع من جاكسون وتحذير من “تفكيك الدولة”
في المقابل، عبّرت القاضية كاتانجي براون جاكسون في اعتراض طويل من 15 صفحة عن استيائها، ووصفت القرار بأنه “مؤسف، وغروري، وعديم المنطق”، معتبرة أن المحكمة تجاوزت سلطتها وقلّلت من شأن سلطة المحاكم الأدنى التي وجدت أن خطة ترامب قد تنتهك مبدأ فصل السلطات.
وكتبت جاكسون:
“لا أحد يُنكر أن هذا القرار سيؤدي إلى نتائج كارثية في الواقع… ما يراه البعض ‘ترهلًا بيروقراطيًا’ هو في الحقيقة مصدر أمل للمزارعين، وأمان لعمال المناجم، وفرصة تعلم آمن للأطفال.”
تغييرات واسعة… بسلطة مطلقة
الأمر التنفيذي، الذي وقّعه ترامب في فبراير الماضي، يطلب من الوكالات الحكومية إعداد خطط “لتقليص واسع النطاق” في القوة العاملة الفيدرالية. بعد صدوره، سارعت اتحادات العمال والمجموعات الحقوقية وحكومات محلية إلى رفع دعاوى قضائية لمحاولة وقفه، محذرين من أن هذه الخطوة تتجاوز صلاحيات الرئيس.
وفي مايو، أصدرت القاضية الفيدرالية سوزان إلستون قرارًا بتجميد تنفيذ الخطط، معتبرة أن “أي رئيس يحتاج إلى موافقة الكونغرس لإعادة هيكلة الحكومة بهذه الدرجة”. القرار أُيّد لاحقًا من محكمة الاستئناف، لكن إدارة ترامب لجأت إلى المحكمة العليا بطلب طارئ، وهو ما نجحت فيه.
هل نعيش نهاية البيروقراطية الأمريكية؟
هذا القرار ليس معزولًا عن سياق أوسع: المحكمة العليا كانت قد أصدرت في يونيو حكمًا يقيد قدرة القضاة على إيقاف سياسات الرئيس بشكل شامل، كما سمحت مؤخرًا لفريق “كفاءة الحكومة” — التابع لإيلون ماسك والمكلف بإعادة هيكلة الإدارات — بالوصول إلى بيانات حساسة من وكالة الضمان الاجتماعي، كما أيدت إنهاء برامج إنسانية تمنح إقامات مؤقتة لأكثر من 500 ألف مهاجر.
كل ذلك يعزز نظرية أن إدارة ترامب تمضي نحو تفكيك النموذج التقليدي للدولة الإدارية الأمريكية، وتحويلها إلى نموذج أكثر مركزية وسلطوية.
هل يعود الكونغرس إلى المشهد؟
الطعن الأساسي في القضية يستند إلى حجة دستورية: أي رئيس يريد تنفيذ تغييرات جذرية في هيكل الحكومة يجب عليه العمل بتوافق مع الكونغرس، كما جرت العادة على مدار أكثر من قرن. وقال محامو الطرف المعارض في مذكرتهم إلى المحكمة العليا:
“إذا سمحتم للرئيس بتنفيذ هذه الإجراءات قبل حسم المسائل الدستورية، فلن يكون هناك وسيلة ‘لإعادة البيضة إلى قشرتها’ لاحقًا. لن نستطيع استرجاع الخدمات أو المؤسسات التي سيتم حلّها.”
اقرأ أيضاً ترامب ونتنياهو يروّجان للسلام في عشاء البيت الأبيض… دون تقدم فعلي في ملفات غزة أو إيران
مصير آلاف الموظفين… في مهب الريح
القرار يضع مصير عشرات الآلاف من العاملين في الوزارات الفيدرالية على المحك. تسريحهم لن يكون مجرد إجراء إداري، بل تغيير جوهري في العلاقة بين المواطن والدولة. الخدمات التي تقدمها هذه الإدارات — من الإسكان إلى التعليم والبيئة والصحة — ستتأثر، وكذلك الثقة في قدرة الدولة على حماية مواطنيها وتلبية احتياجاتهم.
خلاصة:
في سابقة قانونية خطيرة، منحت المحكمة العليا الأمريكية الضوء الأخضر لإدارة ترامب لتفكيك جزء كبير من الدولة البيروقراطية الفيدرالية دون العودة إلى الكونغرس، ما يُنذر بتحولات جذرية في شكل الدولة الأمريكية، قد تستمر آثارها لعقود.