الوكالات

ماكرون وستارمر يتحدثان عن ترامب والهجرة وأوكرانيا.. لكن “شبح بريكست” يخيم على المأدبة الملكية

زيارة الدولة تُظهر تحسن علاقات لندن وباريس وتُذكّر بعزلة بريطانيا الجيوسياسية

في مشهد مهيب من عربات مذهبة ومآدب ملكية، استقبلت بريطانيا هذا الأسبوع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة دولة هي الأولى من نوعها منذ سنوات لرئيس فرنسي. لكن ما بدا وكأنه تتويج لعلاقة دبلوماسية دافئة يخفي خلفه توترًا جيوسياسيًا مستمرًا، تظل فيه بريطانيا، بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، كمن يجلس على طاولة الكبار دون أن تكون له يد فعلية في القرار.

وبينما ناقش الزعيمان قضايا الهجرة، وأوكرانيا، والتهيؤ للمرحلة المقبلة من رئاسة ترامب، ظل “بريكست” الغائب الحاضر، يفرض حدوده الصامتة على ما يمكن تحقيقه بين لندن وباريس. الزيارة، رغم مظاهرها الاحتفالية، كشفت عن ضعف موقع بريطانيا الاستراتيجي مقارنة بفرنسا التي تتحدث بصوت أوروبا الموحد.

 

زيارة رمزية لا تخلو من حسابات دقيقة

الترتيب الزمني للزيارات لم يكن عشوائيًا. ماكرون سبق ترامب إلى دعوة الزيارة الرسمية، رغم أن الأخير سيحظى باستقباله الثاني في سبتمبر. لكن ماكرون لم يحصل على هذا التكريم من قبل، رغم تعامله مع خمسة رؤساء وزراء بريطانيين، إلى أن جاء كير ستارمر، الذي قرر أن يبني علاقة من “الثقة والعمل” مع قصر الإليزيه منذ أن كان في صفوف المعارضة.

 

قنوات ما قبل الرسمية.. ستارمر يتحرك بذكاء

رغم الانتقادات التي تطال برنامج عمله المحلي، إلا أن ستارمر أظهر فهمًا عميقًا لأهمية تأسيس علاقات أوروبية متينة قبل دخول داونينغ ستريت. ومن المتوقع أن تؤتي هذه الاستراتيجية أُكلها عبر تعاون أمني وهجري ملموس، خاصة في قضية قوارب المهاجرين عبر القنال الإنجليزي.

 

في الهجرة.. اتفاق متأخر ونتائج محدودة

التعاون المحتمل مع فرنسا حول ملف المهاجرين غير النظاميين يمثل أحد أولى المكاسب السياسية لستارمر، لكنه يظل محدودًا بحدود الاتحاد الأوروبي. فالقنال اليوم هو “حدود خارجية” للاتحاد، وأي تعاون ثنائي سيصطدم في النهاية بالبنية القانونية الأوروبية الأوسع التي لا تشمل بريطانيا بعد بريكست.

 

بريكست.. الخسارة التي لا يمكن التستر عليها

رغم تحسن العلاقات مع باريس، لا يزال ماكرون من أكثر الزعماء الأوروبيين صرامة في الحفاظ على “ثمن الانفصال” من الاتحاد. بريطانيا فقدت امتيازات السوق الموحدة، ولم تحصل في المقابل على مرونة أو نفوذ. ما زال القادة الأوروبيون يعتبرون بريكست خطأً استراتيجيًا لا يجب أن يُكافأ.

 

رغم الخلافات.. علاقات دفاعية لا يمكن الاستغناء عنها

لكن بريطانيا وفرنسا لا تلتقيان فقط على مستوى العلاقات الاقتصادية أو المهاجرين، بل على أسس استراتيجية أعمق. فهما الدولتان الأوروبيتان الوحيدتان ذات الأسلحة النووية، وتحتلان مقاعد دائمة في مجلس الأمن. وبالتالي، فإن التعاون في الملف الأوكراني والدفاع الأوروبي يتجاوز حسابات بريكست.

 

أوكرانيا وتحدي ما بعد أمريكا

ماكرون وستارمر وجدا نفسيهما في موقع القيادة لمجموعة أوروبية غير رسمية تدعم أوكرانيا – ما يُعرف بـ”التحالف الراغب”. لكن مع تقلبات ترامب في دعم كييف، تتحول المسؤولية على عاتق الأوروبيين. هل يمكنهم تعويض الانسحاب الأمريكي؟ أم عليهم فقط الدفع بالحد الأدنى لشراء رضا واشنطن؟

 

ترامب.. الغائب الحاضر في كل نقاش

المفارقة أن الزيارة جاءت وسط إعلان ترامب عن إرسال دفعة جديدة من صواريخ باتريوت لأوكرانيا، بعد أن أوقفها البنتاغون فجأة. الرئيس الأمريكي المقبل يبدو متقلبًا ومراوغًا، ولا أحد يعرف إن كان سيدعم أوروبا أم يبتزها. وهو ما يدفع القادة الأوروبيين إلى التفكير جديًا في “استقلالهم الاستراتيجي”.

 

فرنسا تتحدث باسم أوروبا.. وبريطانيا تتحدث باسمها فقط

هنا يظهر الفرق الجوهري بين ماكرون وستارمر. الأول يفاوض أمريكا باسم كتلة من 27 دولة تملك وزناً اقتصادياً هائلاً. أما الثاني، فيدخل البيت الأبيض وحيدًا، خارج أي تحالفات اقتصادية أو دفاعية مؤسسية. زيارة القصور الملكية قد تبدو لامعة، لكن قيمتها الحقيقية تعكس موقع بريطانيا المتراجع في لعبة الكبار.

إقرأ ايضَا:

مقارنة الكرملين بين أذربيجان وأوكرانيا تكشف هواجسه من فقدان السيطرة

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى