نظريات المؤامرة تعصف بتكساس بعد الفيضانات:اليمين المتطرف يتهم الحكومة بتعديل الطقس

لم تمضِ أيام على الفيضانات الكارثية التي اجتاحت ولاية تكساس الأمريكية خلال عطلة الرابع من يوليو، حتى اندلعت عاصفة من نوع آخر على مواقع التواصل الاجتماعي. موجة من نظريات المؤامرة، قادها ناشطون من التيارات اليمينية المتطرفة، اجتاحت المنصات الرقمية، مدعية أن الفيضانات ليست سوى “هجوم مدبر” نفذته الحكومة الأمريكية باستخدام تكنولوجيا “التحكم في الطقس”.
ورغم أن السلطات لم تزل تعكف على تقييم الأضرار، وانتشال الضحايا، وجد البعض في هذه الكارثة فرصة لترويج أفكار قديمة أعيد تدويرها لتناسب المأساة الجديدة. ما بين اتهامات للحكومة الفيدرالية بـ”تلويث السماء” باستخدام تقنيات هندسية غامضة، وهجوم على التخفيضات الأخيرة في ميزانية التنبؤات الجوية، أصبح المشهد الرقمي الأمريكي ساحة تعج بالمغالطات، وتشير إلى انقسام أعمق في ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة.
أصوات المؤامرة: جنرالات سابقون وسياسيون في خندق الاتهام
واحدة من أبرز الشخصيات التي أشعلت جدل المؤامرة كان بيت تشامبرز، القائد السابق في القوات الخاصة والناشط المعروف في أوساط اليمين المتطرف، والذي كتب على منصة “إكس” (تويتر سابقًا):
“أحتاج إلى من يخبرني: من المسؤول عن هذا؟ متى كانت آخر مرة تمت فيها عملية بذر السحب؟”
واستند في اتهاماته إلى مستندات زعم أنها تثبت تورط شركة في كاليفورنيا متخصصة في “تعزيز هطول الأمطار”. وسرعان ما أعاد مايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترامب، مشاركة منشوره، مضيفًا:
هل يستطيع أحد الرد؟”
فلين، المعروف بدعمه الصريح لنظرية “كيو أنون” المتمركزة حول فكرة “دولة عميقة” تتآمر ضد ترامب، كان له دور بارز في منح هذه الروايات صدى سياسيًا واسعًا.
يوتيوبرز وتلغرام… حيث تنمو الروايات الهامشية
على منصة “يوتيوب”، ظهر أحد المؤثرين المعروفين في أوساط المحافظين المتشددين في فيديو بعنوان “الحقيقة حول التلاعب بالطقس”، حصل على أكثر من 200 ألف مشاهدة خلال ساعات. فيما انتشرت مزاعم أخرى على تطبيق “تلغرام”، خاصة داخل قنوات نازية جديدة، ركزت على مزاعم عنصرية حول ما أسموه “فشل الدولة في حماية الفتيات البيض”، في إشارة إلى وفاة 27 من رواد مخيم “ميستيك”.
الخطاب السائد في هذه القنوات لم يكن فقط معاديًا للمؤسسات، بل حمل طابعًا عرقيًا يستهدف إثارة الخوف والتعبئة اليمينية، متهمًا الحكومة الأمريكية بإهمال “الأمريكيين البيض”.
من الكونغرس إلى الكوارث: حين تشرّع المؤامرة
عضوة الكونغرس الجمهورية مارجوري تايلور غرين، المعروفة بتصريحاتها المثيرة للجدل، أعلنت أنها ستتقدم بمشروع قانون يجرّم أي محاولة لتعديل الطقس باستخدام مواد كيميائية تُنثر في الغلاف الجوي، وكتبت:
سيكون ذلك جريمة جنائية فيدرالية”.
ورغم عدم وجود أدلة علمية على استخدام الحكومة لتقنيات تؤثر على المناخ بهذه الصورة، فإن مشروع القانون يعكس مدى تغلغل نظريات المؤامرة في مراكز صنع القرار الأمريكي.
تقصير حكومي فعلي… لكن الحقيقة مختلفة
في المقابل، وجهت نقابة رجال الإطفاء في أوستن أصابع الاتهام إلى رئيس جهاز الإطفاء، متهمة إياه بتأخير الاستجابة لإنقاذ الضحايا في “كير كاونتي” رغبة في خفض التكاليف. المنشور الذي حقق رواجًا واسعًا على إنستغرام قال:
لماذا فعل رئيس الإطفاء هذا؟ كان دافعه الوحيد هو التوفير المالي.”
كما تعرضت هيئة الأرصاد الجوية الوطنية لانتقادات حادة بسبب تقليلها من توقعات هطول الأمطار، وتباطؤ إصدار الإنذارات في وقت حرج، مما ساهم في تأخر استجابة فرق الإنقاذ.
السياسة في وجه الطبيعة: خفض التمويل وغياب القيادات
السيناتور الجمهوري تيد كروز، تعرض بدوره لموجة سخط بعد أن تبين وجوده خارج البلاد أثناء الكارثة، كما حصل خلال أزمة تجمد الكهرباء في تكساس عام 2021. وكان كروز قد دعم مؤخرًا ما يُعرف بـ”مشروع القانون الكبير الجميل”، الذي خفّض بشكل كبير من ميزانية خدمات الأرصاد الجوية.
في هذا السياق، تساءل الكثيرون عمّا إذا كانت هذه التخفيضات قد أسهمت في تفاقم الكارثة عبر تقليص قدرة الدولة على التنبؤ والاستجابة.
الكوميديا سلاح اليسار: السخرية من منطق المؤامرة
مقابل هذا الزخم من الادعاءات، رد اليساريون بسخرية مريرة. انتشرت صورة ساخرة على مواقع التواصل من مسلسل “عائلة سيمبسون”، تُظهر المدير سكِنر يتساءل:
“هل يمكن أن تكون تخفيضات ترامب سببًا في الكارثة؟ لا، لا بد أن الديمقراطيين استخدموا جهاز التحكم بالطقس!”
الكارثة مستمرة… والثقة تتآكل
بينما تواصل فرق الإنقاذ البحث عن ناجين، تزداد علامات الاستفهام حول قدرة الدولة الأمريكية على إدارة الكوارث الطبيعية في ظل استقطاب سياسي وإعلامي حاد. فالمشكلة لم تعد فقط في المطر الذي أغرق تكساس، بل في السيل الجارف من المعلومات المضللة التي تُغرق الحقيقة في وحل السياسة والشعبوية.