الاقتصاد

حين تتحول النوايا البيئية إلى كوارث اقتصادية: دعم يتحول إلى فساد.

من ماليزيا إلى أيرلندا، تجارب دولية تكشف كيف تخلق السياسات الخضراء الخاطئة أسواقاً سوداء وفرصاً للفساد بدلاً من حماية البيئة.

رغم نواياها الحسنة، قد تنتهي بعض السياسات البيئية إلى نتائج عكسية كارثية، إذ تفتح الأبواب أمام الفساد والتحايل بدلاً من تحقيق الأهداف الخضراء. الكاتب البريطاني والخبير الاقتصادي تيم هارفورد يستعرض في مقال ساخر-تحليلي كيف تحولت خطط الدعم البيئي في ماليزيا وأيرلندا إلى منصات للهدر المنظّم وسوء التخصيص.

 

أثر الكوبرا: كيف تؤدي الحوافز الخاطئة إلى تحفيز السلوك الضار؟

تستدعي التجارب الحديثة ما يُعرف بـ”تأثير الكوبرا”، حيث تؤدي الحوافز العكسية إلى تفاقم المشكلة بدلاً من حلّها. مثلاً، عندما دفعت بريطانيا الاستعمارية مكافآت مقابل جلود الكوبرا، بدأ الناس بتربيتها لقتلها لاحقاً من أجل المال. ورغم أن القصة قد تكون أسطورة، إلا أن تطبيقها الواقعي في سياسات بيئية أصبح موثقاً أكثر من أي وقت مضى.

 

ماليزيا: دعم الزيت يُغذي سوقاً سوداء دولية

في ولاية “ملقا”، دعمت الحكومة زيت الطهي لتقليل التكاليف، لكنه انتهى كمادة خام مربحة لتصنيع وقود الطيران الحيوي. المفارقة؟ كثير من الزيت لم يُستخدم أصلاً. وتم شراؤه بسعر مدعوم، ثم بيعه كمادة “مستعملة” للاستفادة من دعم أوروبي منفصل. النتيجة: أعلى معدل عالمي لجمع الزيت المستعمل في ماليزيا — رغم أنه لم يُستخدم حقاً.

 

مطاعم وهمية… ووقود مزيف

بعض المحتالين لجأوا إلى إنشاء مطاعم وهمية فقط لتسجيل استهلاك الزيت والاستفادة من الدعم. كما سخر الكاتب “مات ليفين”، “أكثر طريقة ربحاً ليست الطهي، بل الادعاء بأنك تطهو”.

 

أيرلندا الشمالية: خطة التدفئة التي أحرقَت الحكومة

في مثال آخر، دفعت خطة دعم التدفئة الحيوية في أيرلندا الشمالية مواطنين لحرق الخشب فقط من أجل جني المال. لم تكن النتيجة خفض الانبعاثات، بل فضيحة سياسية هزّت الحكومة وأدت إلى انهيارها عام 2017، فيما عُرف بفضيحة “Cash for Ash”.

 

ضرائب بيئية غير منطقية في بريطانيا

كشف تقرير صادر عن “معهد الدراسات المالية” أن السياسة الضريبية في المملكة المتحدة تعاقب استخدام الكهرباء النظيفة وتكافئ الغاز. يدفع مستخدمو الكهرباء ضريبة كربون باهظة، بينما يُمنح مستخدمو الغاز إعفاءات. والنتيجة؟ العودة لاستخدام الغاز تبدو أرخص، رغم الحث الرسمي على استخدام المضخات الكهربائية.

 

دروس ضرورية: كيف نتفادى الوقوع في نفس الفخ؟

يضع هارفورد ثلاث قواعد مهمة لصياغة سياسات بيئية فعالة:

1. فرض الضرائب على السلوك الضار أكثر فعالية من دعم السلوك الجيد.

2. معاملة جميع السلوكيات المماثلة بنفس الطريقة لتجنب الحوافز المشوهة.

3. دراسة التفاعل بين السياسات البيئية بدقة لتفادي التناقضات.

 

خلاصة:

حين تدفع جهةٌ ما لتحفيز الوقود الحيوي، وتدعم جهة أخرى مدخلاته دون رقابة، فإن النتيجة هي دائرة مغلقة من التربح الاحتيالي، لا حماية البيئة. فبدون تصميم ذكي للسياسات، يتحول “التحول الأخضر” إلى فرصة ذهبية للفاسدين… لا للمصلحين.

 

أقرأ أيضاً:

 

مشروع الغاز في ألاسكا: فرصة طاقية واعدة تحت رحمة البيئة والتكاليف.

سولين غزيم

سولين غزيم صحفية سورية ، تتميز بقلمها الجريء واهتمامها العميق بالقضايا الإنسانية والاجتماعية. تعمل على تسليط الضوء على هموم الناس بصوت صادق، وتنقل الحقيقة من قلب الحدث بموضوعية وشغف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى