تقارير التسلح

F-35 البريطانية في ورطة: تأخيرات وتكاليف خيالية تهدد «رمز المستقبل»

رغم مكانتها كأكثر مقاتلة شبحية تطورًا، تواجه F-35 البريطانية مشاكل تقنية ولوجستية قد تعصف بجدوى المشروع وتُهدد التفوق الجوي المستقبلي للمملكة المتحدة.

في لحظة رمزية تعكس حجم الأزمات التي تحاصر برنامج الطائرة المقاتلة الأكثر تطورًا لدى بريطانيا. تواصل مقاتلة من طراز F-35B تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني (RAF) احتجازها في أحد مطارات الهند. بعد اضطرارها للهبوط الطارئ بسبب مشكلات فنية.

هذا الحادث ليس سوى قمة جبل الجليد، كما يكشف تقرير جديد صدر عن مكتب التدقيق الوطني البريطاني (NAO). والذي يرسم صورة قاتمة لمستقبل هذا المشروع الطموح.

 

التقرير، الصادر في 11 يوليو 2025 الذي نقلته وكالة الأنباء الأسيوية ( ANI). يُظهر أن البرنامج الذي يُفترض أن يكون العمود الفقري للقوة الجوية البريطانية في العقود المقبلة يعاني من مشكلات متراكمة.

تتراوح بين التأخير في التسليمات ونقص الكوادر الفنية، وصولاً إلى تدني معدلات الجاهزية التشغيلية. بل وانعدام بعض القدرات الأساسية التي تُعد حاسمة في بيئة الصراعات الحديثة.

وعلى الرغم من الإشادة بمزايا الطائرة التقنية، إلا أن العائد الإستراتيجي حتى الآن لا يبدو متناسبًا مع التكلفة الهائلة التي أنفقتها وزارة الدفاع. والتي قد تتجاوز في مجملها 71 مليار جنيه إسترليني بحلول نهاية البرنامج.

 

تأخيرات متواصلة في التسليم: من 2024 إلى ما بعد 2026.

أعلنت بريطانيا في 2016 عن نيتها شراء 48 طائرة F-35 بحلول عام 2024. لكنها لم تتسلم سوى 38 حتى الآن، مع فقدان واحدة في حادث عام 2021. ووفق التقرير، فإن آخر طائرة من هذه الدفعة لن تصل قبل أبريل 2026، ما يعني تأخرًا عن الجدول الزمني بأكثر من عامين.

يعود ذلك جزئيًا إلى قرار وزارة الدفاع بتأجيل التسليمات لتقليل النفقات في المدى القصير. إضافة إلى مشكلات في برنامج التحديث العالمي للطائرة المعروف باسم “ترقية التقنية 3”.

ويعتبر هذا التأخير لا يقتصر على الأطر الزمنية. بل يشمل أيضًا فجوات تشغيلية تعوق تحقيق “الجاهزية الكاملة للقتال” التي تأجلت بدورها إلى نهاية 2025.

مقاتلة شبحية

جاهزية ميدانية منخفضة: أقل من نصف النسبة المستهدفة. 

وفق التقرير، فإن معدل “القدرة على تنفيذ المهام”. — وهو مؤشر يحدد ما إذا كانت الطائرة قادرة على أداء واحدة على الأقل من مهامها السبع الرئيسية — سجل نتائج مقلقة للغاية.

دون ذكر الرقم الدقيق، أكد التقرير أن المعدل كان أقل بكثير من المعدلات المستهدفة. ومن نظيراتها لدى برامج مقاتلات أخرى في دول الحلفاء. وتشير تقارير أمريكية سابقة إلى أن مقاتلة F-35A الأمريكية لم تتجاوز معدل 51.5% في 2025.وهو ما يعكس مشكلة عالمية في الصيانة وقطع الغيار، تعاني منها بريطانيا بشدة.

 

نقص في الفنيين والطواقم: معضلة بشرية تزداد تعقيدًا. 

من أبرز النقاط التي أوردها تقرير NAO هو النقص الحاد في الكوادر الفنية والهندسية. لاسيما في المستويات الإشرافية. كما تعاني القوات الجوية البريطانية من نقص في الطيارين والمدربين.

بالإضافة إلى فجوة كبيرة في الكفاءات السيبرانية الضرورية لدعم العمليات الرقمية للطائرة المتطورة. هذا القصور البشري يعوق حتى أبسط متطلبات الصيانة الدورية. ويهدد بزيادة معدلات التعطل والخروج من الخدمة في ظل غياب خبرات كافية للتعامل مع الأعطال المعقدة.

قدرات تسليحية مؤجلة: صواريخ بريطانية لن تدخل الخدمة قبل 2030.

كان من المقرر أن تزود الطائرة بصواريخ SPEAR 3 جو-أرض. وصواريخ METEOR جو-جو بحلول ديسمبر 2024، لكن التقرير يؤكد أن إدخالها الكامل إلى الخدمة لن يحدث قبل أوائل ثلاثينيات القرن الجاري.

ويُعزى التأخير إلى ضعف أداء الموردين وفشل الترتيبات التجارية في إعطاء الأولوية للتسليم. إضافة إلى تدني أهمية الصواريخ البريطانية داخل البرنامج العالمي. هذا يعني أن الطائرة حتى الآن تفتقر إلى “سلاح الوقوف عن بُعد” الضروري لضرب أهداف أرضية من مسافة آمنة.

 

قدرة التخفي بلا صيانة سيادية حتى العقد المقبل. 

من المفارقات أن المملكة المتحدة لن تتمكن من صيانة قدرة التخفي الخاصة بطائراتها داخل أراضيها قبل 2030. حيث لا يوجد حتى الآن منشأة وطنية معتمدة لمراقبة وصيانة خصائص الطلاء والإشارات الحرارية للرادار.

وتعد هذه القدرة حاسمة في الحفاظ على ميزات الطائرة في ساحات القتال عالية التهديد. ما يجعل القوات البريطانية رهينة لمنشآت الحلفاء أو الشركات المصنعة.

 

كلفة غير معلنة: ما وراء رقم 18 مليار جنيه

رغم أن وزارة الدفاع تروج لكلفة تبلغ 18.76 مليار جنيه إسترليني لأول 48 طائرة، إلا أن تقرير NAO. يكشف أن الكلفة الحقيقية التي تشمل البنية التحتية والتدريب والصيانة قد تصل إلى 71 مليار جنيه بحلول عام 2069.

أي أن البرنامج يتجاوز ميزانية بعض الدول الصغيرة. في وقت تواجه فيه بريطانيا تحديات مالية حادة في مجالات الدفاع والصحة والتعليم.

 

الطائرة العالقة في الهند: أزمة مصغرة تكشف أوجه الخلل الكبرى. 

لا تزال طائرة F-35B بريطانية عالقة في مطار تريفاندروم بالهند منذ 14 يونيو 2025. بعد أن اضطرت للهبوط بسبب الطقس وانخفاض الوقود، ثم تبين لاحقًا أنها تعاني من خلل هيدروليكي معقد.

وقد تأخر إصلاح الطائرة أكثر من ثلاثة أسابيع، رغم وصول فريق هندسي بريطاني من 40 خبيرًا ومعدات متطورة من لوكهيد مارتن. تشير الحادثة إلى هشاشة الدعم اللوجستي الميداني للطائرة، حتى في سيناريو غير قتالي.

 

فوائد اقتصادية مؤقتة: مشاركة صناعية غير متوازنة. 

رغم الانتقادات، يلفت التقرير إلى أن شركات بريطانية تُسهم في تصنيع نحو 15% من مكونات جميع طائرات F-35 في العالم. بينما تمتلك بريطانيا أقل من 5% من إجمالي الأسطول العالمي. هذه النسبة جلبت عقودًا بقيمة 22 مليار جنيه لصناعة الدفاع البريطانية. لكنها لا تعوض التحديات التشغيلية أو الفجوات الاستراتيجية المتفاقمة في الأداء.

 

دعوات لإعادة هيكلة: النظام الإداري بحاجة إلى إصلاح شامل. 

يوصي التقرير بضرورة إصلاحات إدارية داخل وزارة الدفاع البريطانية، تتضمن تحسين آليات المحاسبة. وتقليص فترات شغل المناصب، وتوفير مرونة مالية أكبر لإدارة البرامج الدفاعية المعقدة.

كما يطالب بتقييم شامل ومستقل لقيمة البرنامج على مدار عمره التشغيلي.  باستخدام مؤشرات أداء دقيقة وقابلة للقياس.

 

خلاصة: هل F-35 حلم مكلف أم كابوس استراتيجي؟

يطرح تقرير NAO سؤالًا وجوديًا حول مدى جدوى الاستمرار في الاستثمار في مقاتلة تعاني من تأخيرات هيكلية وتكاليف متضخمة. رغم تفوقها التكنولوجي النظري. وبينما تُجمع التقديرات على أن الطائرة هي الأكثر تقدمًا من حيث الشبحية والوعي الظرفي.

فإن العجز في الجاهزية والقدرات التسليحية يثير الشكوك حول قدرتها على توفير التفوق الجوي الفعلي الذي تحتاجه بريطانيا في العقود المقبلة. إن كانت F-35 هي رمز المستقبل،فإن تجربتها البريطانية الحالية. قد تكون إنذارًا مبكرًا بضرورة إعادة التفكير في أولويات التسلح واستراتيجيات الإنفاق الدفاعي.

اقرأ ايضا

“جيريمي رينر بعد الحادث المروّع: حياة جديدة خرجت من تحت عجلات الموت”:

ياسمين خليل

ياسمين خليل، حاصلة على ليسانس آداب قسم علوم الاتصال والإعلام، تتمتع بخبرة في إدارة المحتوى والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب مهاراتها في الإعلام والعلاقات العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى