صحف وتقارير

حقبه جديده مضطربة في السياسة اليابانيه: انتخابات مجلس الشيوخ تشكف ملامح التحول

"اليابان في منعطف سياسي: انتخابات مجلس الشيوخ وتحديات المستقبل"

تشهد اليابان اليوم تحولات عميقة في بنية نظامها السياسي الذي ظل لسنوات طويلة يتميز بالثبات النسبي، حيث تدخل البلاد مرحلة جديدة من التعددية الحزبية والتنافس الشعبي على خلفية فقدان “الحزب الليبرالي الديمقراطي” الحاكم بريقه التاريخي. تقرير الإيكونوميست يرصد هذا التحول، مشيرًا إلى أن الانتخابات المقبلة لمجلس الشيوخ، المقررة في 20 يوليو، ستكون اختبارًا حاسمًا لقدرة الحزب على الصمود وسط عاصفة من المتغيرات السياسية والاجتماعية والإعلامية. ومع تصاعد القلق في أسواق السندات إزاء السياسات المالية غير المستقرة، بدأت ملامح فوضى قادمة في رسم ملامح الحكم في ثالث أكبر اقتصاد في العالم.

 

انكسار الهيمنة التقليدية للحزب الحاكم

منذ تأسيسه عام 1955، سيطر الحزب الليبرالي الديمقراطي (LDP) على الحياة السياسية اليابانية بشكل شبه مطلق، مستفيدًا من تحالفاته المحافظة وبنيته التنظيمية المتماسكة وشبكات المصالح العميقة داخل البيروقراطية. لكن اغتيال رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي في 2022 شكّل نقطة تحول، حين كُشف النقاب عن علاقات مشبوهة بين الحزب وجماعة “كنيسة التوحيد”، مما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا. تفاقم الأمر بفضائح التمويل السياسي خلال عامي 2023 و2024، والتي أدت إلى حل الفصائل الداخلية التي كانت بمثابة أحزاب صغيرة داخل الحزب نفسه. وبهذا، فقد الحزب أحد أهم أدوات ضبط الخلافات الداخلية، مما جعله أكثر انقسامًا وهشاشة.

 

اختبار صعب في مجلس الشيوخ

الانتخابات المقبلة لمجلس الشيوخ تُعد بمثابة استفتاء على قيادة رئيس الوزراء الحالي إيشيبا شيغيرو، الذي تولى المنصب بعد انتخابات داخلية مضطربة. وبعد أن خسر الحزب أغلبيته في مجلس النواب في أكتوبر الماضي، يجد نفسه اليوم مهددًا بفقدان الأغلبية في مجلس الشيوخ أيضًا. ورغم أن المجلس لا يقرر تشكيل الحكومة، إلا أن نتائجه ستنعكس مباشرة على استقرار الحكم وربما تُسرّع الدعوات لإقالة رئيس الوزراء. فخسارة أكثر من 16 مقعدًا من أصل 66 مقعدًا حاليًا، تعني أن إيشيبا قد يجد نفسه في مواجهة تمرد داخلي.

 

صعود الأحزاب الصغيرة وتآكل الخطاب التقليدي

في مواجهة هذا التآكل، برزت أحزاب جديدة أكثر جرأة، وإن كانت تفتقر إلى الواقعية. حزب “افعلها بنفسك” اليميني الشعبوي يرفع شعار “اليابانيون أولًا” ويناهض الهجرة بشراسة، بينما يستند حزب “الابتكار الياباني” إلى قاعدة قوية في أوساكا ويطرح حلولًا اقتصادية طموحة. أما على يسار الطيف، فتحاول حركة “رييوا شينسينغومي” استقطاب الشباب من خلال تعهدات راديكالية، بينها إلغاء ضريبة الاستهلاك. هذا التعدد في الخيارات يعكس تحولًا عميقًا في المزاج الشعبي، لكنه يثير أيضًا مخاوف من تشظي المشهد البرلماني.

 

الحزب الديمقراطي للشعب.. المنافس الأخطر

من بين هذه القوى الصاعدة، يبرز الحزب الديمقراطي للشعب (DPFP) بوصفه اللاعب الأكثر توازنًا، يجمع بين البراغماتية والتواصل الشعبي. بقيادة تاماكي يويتشيرو، يقدّم الحزب نفسه كبديل وسطي قابل للتحالف، وقد نجح في مضاعفة مقاعده أربع مرات خلال انتخابات مجلس النواب الأخيرة. ويبدو أن تركيزه على قضايا الشباب وزيادة الدخول الشهرية جعله يتفوق على الحزب الحاكم بين الفئات العمرية تحت سن الأربعين. طموح تاماكي في الوصول إلى رئاسة الوزراء لم يعد ضربًا من الخيال، بل رهان حقيقي للسنوات القادمة.

 

الإعلام الجديد يعيد تشكيل السياسة

في بلد طالما اعتاد على الإعلام الرسمي والوجوه التقليدية، باتت شبكات التواصل الاجتماعي تحدد اتجاهات الرأي العام، لا سيما بين الشباب. حزب LDP لا يزال متخلفًا رقميًا؛ قناته على “تيك توك” لم تتجاوز 3 آلاف متابع بعد شهر من إطلاقها، مقارنة بعشرات الآلاف للأحزاب المنافسة. فقدان الثقة في وسائل الإعلام التقليدية، وعلى رأسها NHK، أضعف قدرة الحزب على إيصال رسائله، بينما يصعد منافسوه بخفة على ظهر الخوارزميات. أحد أعضاء الحزب اعترف صراحة: “نحن نبدو تقليديين ومتأخرين عن روح العصر”.

 

مستقبل اليابان بين الحيوية السياسية والفوضى

رغم هذه الانتكاسات، لا يزال الحزب الحاكم يتمتع بأوراق قوة معتبرة: شبكات محلية عميقة، موارد مالية كبيرة، وعلاقات عضوية مع مؤسسات الدولة. لكن تحوّل اليابان إلى نظام أقلية برلمانية قد يفتح الباب لفوضى سياسية مزمنة على النمط الإيطالي، مع تحالفات متغيرة وزعماء قصيري الأجل. هذا قد ينعكس سلبًا على السياسات الاقتصادية والدفاعية، في وقت تتصاعد فيه التحديات الإقليمية. ومع دخول الانتخابات أجواء الحسم، يتساءل اليابانيون: هل تمثل هذه الديناميكية السياسية الجديدة بداية إصلاح، أم بوابة لفوضى قادمة؟ الزمن فقط سيحمل الجواب.

اقرأ أيضاً

هل يجوز الترشيح علي اكثر من دائرة بانتخابات مجلس الشيوخ ؟.. القانون يجيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى