ترامب يجمع 50 مليار دولار من الرسوم وسط صمت عالمي لافت
الدول تلتزم الصمت حيال تصعيد ترامب التجاري خوفًا من التصعيد والخسائر الاقتصادية

في الوقت الذي كانت تتوقع فيه العواصم العالمية اندلاع حرب تجارية طاحنة إثر عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فاجأ الرئيس الأمريكي الجميع بقدرة غير مسبوقة على فرض رسوم جمركية قاسية دون أن يواجه ردًا حقيقيًا. فبعد مرور أربعة أشهر فقط على إعلانه سياسة تجارية أكثر عدوانية، تمكّنت واشنطن من جني ما يقرب من 50 مليار دولار من العائدات الجمركية الإضافية، في ظل صمت أو تردد معظم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
الأمر لم يكن مجرد انتصار مالي قصير الأمد، بل مثّل تحولًا جوهريًا في قواعد اللعبة الجيو-اقتصادية، حيث أصبحت الولايات المتحدة قادرة على فرض كلفة إضافية على العالم دون أن تتحمل هي المقابل الكامل لذلك. وبينما لم ترد على هذه الخطوات سوى الصين وكندا، اختارت بقية الدول “عدم الرد”، ليس بدافع الضعف بالضرورة، بل ربما بدافع الحسابات الأكثر تعقيدًا.
انفجار في الإيرادات.. والفضل للرسوم
بلغت إيرادات واشنطن من الجمارك في الربع الثاني من عام 2025 نحو 64 مليار دولار، أي بزيادة ضخمة بلغت 47 مليارًا عن الفترة نفسها من العام الماضي. هذه القفزة جاءت مدفوعة بتطبيق رسوم تصل إلى 50% على الصلب والألومنيوم، و25% على السيارات، و10% كحد أدنى على جميع الواردات تقريبًا.
رد صيني خجول رغم العناد
على الرغم من أن الصين كانت الطرف الأكثر حدة في الرد، حيث فرضت رسومًا على مجموعة واسعة من المنتجات الأمريكية، إلا أن تأثيرها ظل محدودًا. فقد ارتفعت إيرادات بكين الجمركية بنسبة 1.9% فقط مقارنة بالعام السابق. ومع صعود الرسوم الأمريكية إلى 145% في أبريل، تراجرت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بمقدار الثلث، ما دفع الطرفين إلى هدنة مدتها 90 يومًا في جنيف.
كندا.. من المواجهة إلى الانسحاب الهادئ
رغم وعود رئيس الوزراء الكندي مارك كارني بموقف “قوي بالمرفقين”، فإن بلاده فرضت رسومًا جمركية بقيمة 155 مليار دولار كندي فقط، ثم بدأت سريعًا بالتراجع عن التصعيد. وفي ظل اعتماد الاقتصاد الكندي بنسبة 20% على التجارة مع الولايات المتحدة، بدا أن أوتاوا لا تملك رفاهية المواجهة المفتوحة.
اقرا ايضا:
التهديد الأكبر لغسل الأموال”: العملات المشفرة تحت مجهر الرقابة الأوروبية
الاتحاد الأوروبي يراوح مكانه
رغم أن الاتحاد الأوروبي خطط منذ البداية لردود مضادة، فإنه اختار التريث، مرجعًا القرار إلى مهلة 1 أغسطس التي حدّدها ترامب للمفاوضات. وبينما نشرت المفوضية الأوروبية قائمة بسلع محتملة للرد الجمركي عليها بقيمة 72 مليار يورو، لم تحدد نسب الرسوم، في إشارة إلى رغبتها في تجنب إثارة الرئيس الأمريكي.
حذر جماعي خشية التصعيد والانقسام
دول مثل المكسيك والبرازيل وغيرها امتنعت عن الرد، ليس فقط خوفًا من التعريفات المرتفعة، بل أيضًا تحاشيًا لأي ضرر محتمل على علاقتها الاقتصادية والأمنية مع واشنطن. فمعادلة التجارة العالمية لم تعد متوازنة كما في ثلاثينيات القرن الماضي، بل أصبحت أحادية المركز حول السوق الأمريكية.
دروس الحرب التجارية السابقة حاضرة
المؤشرات تشير إلى أن الحكومات تعلمت درس الحرب التجارية بين 2018 و2019، والتي فشلت في إنتاج نتائج تفاوضية إيجابية. على العكس، أدت إلى موجات من الردود المتبادلة التي أضرت بالجميع. واليوم، تُفضل معظم الدول التهدئة على المواجهة غير المحسوبة.
سلاسل الإمداد العالمية على المحك
أحد الأسباب الجوهرية وراء التردد العالمي يتمثل في الخوف من انهيار سلاسل الإمداد العالمية. فشركات كبرى مثل أبل وأديداس ومرسيدس باتت تنقل جزءًا من عبء الرسوم إلى أسواق أخرى، تجنبًا لإغضاب المستهلك الأمريكي الذي يمكنه تحمل زيادة بنسبة 5% لكن ليس 40%.
ترامب يستغل الانقسامات داخل التكتلات
حتى داخل التكتلات الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي، تسببت اختلافات المصالح بين الدول الأعضاء في تعطيل الرد المشترك. فالبعض يخشى أن يؤدي التصعيد مع واشنطن إلى تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وهو ما يُعقّد المعادلة الجيوسياسية في القارة.
العالم يتعامل بواقعية لا بخنوع
يرى بعض الخبراء أن ما يُنظر إليه كـ”جبن دولي” في مواجهة ترامب هو في الواقع براغماتية اقتصادية مدروسة. فقد أثبتت النماذج الاقتصادية أن ردود الفعل المفرطة قد تكلف العالم خسارة تقدر بـ1.3% من الناتج الإجمالي العالمي خلال عامين، في حال وصلت الرسوم المتبادلة إلى 24%.
ترمب يراهن على الفُرقة بدل الوحدة
عوضًا عن مواجهة تكتل موحد، يواصل ترامب تجزئة خصومه وتهديدهم فرادى، كما فعل مؤخرًا مع البرازيل، ملوحًا برسوم تصل إلى 50% دون مبررات اقتصادية واضحة. ومع هشاشة الجبهة المقابلة، تبدو يده هي العليا حتى إشعار آخر.
حين يكون الصمت استراتيجية
قد يبدو الصمت الدولي إزاء الرسوم الجمركية الأمريكية ضعفًا، لكنه في الحقيقة تكتيك اقتصادي معقّد، يجمع بين الحذر من التصعيد والخوف على المصالح القومية. لكن هذا الصمت، إذا طال أمده، قد يفتح الباب أمام هيمنة أمريكية غير مسبوقة على سلاسل التجارة العالمية، ما يدفع بالأسواق الدولية إلى إعادة التفكير: إلى متى يمكنهم تجاهل “التمساح التجاري” دون أن يفقدوا مواقعهم في بركة التجارة العالمية؟