تقارير التسلح

“صُنع في الهند”… على خط النار: كيف تحوّلت مواجهة باكستان إلى حملة دعائية لتصدير السلاح

عملية عسكرية قصيرة على الحدود تحوّلت إلى عرض عالمي لقدرات السلاح الهندي... فهل تبدأ نيودلهي مرحلة جديدة كمُصدّر استراتيجي في سوق التسليح؟

بعد شهرين فقط من عملية عسكرية خاطفة نفذتها القوات الهندية داخل الأراضي الباكستانية، حيث استخدمت طائرات بدون طيار وصواريخ دقيقة. بدأت نيودلهي حملة متسارعة لتسويق ترسانتها العسكرية محليّة الصنع في الأسواق العالمية.

وبينما يرى البعض أن ما حدث كان مجرد صدفة زمنية، تبدو مؤشرات السياسة الحكومية أكثر وضوحًا. عملية “سندور” العسكرية كانت عرضًا مباشرًا لقدرات السلاح الهندي، وجواز مرور جديد للهند إلى أسواق تصدير السلاح.

الهند، التي لطالما عُرفت بأنها أحد أكبر مستوردي الأسلحة في العالم، تسعى الآن لتغيير المعادلة. مدفوعة بسياسة “صنع في الهند” التي أطلقها رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وتشمل كل شيء من الهواتف إلى الصواريخ.

تتراوح اهتمامات شركة أداني الدفاعية بين الأسلحة الصغيرة والذخيرة، وأنظمة مكافحة الغواصات والطائرات بدون طيار، بما في ذلك هيرميس، في الوسط © T. Narayan/Bloomberg

من الصحراء الباكستانية إلى الأسواق العالمية. 

خلال عملية “سندور”، استخدمت الهند طائرات مسيّرة هجومية من طراز mR10 وmR10-IC من إنتاج شركة “راف مافيبير” الناشئة. وهي طائرات ذات قدرة على الإقلاع والهبوط العمودي، وتعمل بنظام السرب.

الشركة الناشئة جمعت 100 مليون دولار في يونيو الماضي. بقيادة شركة رأس المال الاستثماري “جنرال كاتاليست”، وبلغت قيمتها السوقية نحو مليار دولار – جزء كبير منها. مبني على توقعات بنجاحها في التصدير بعد إثبات جدارتها ميدانيًا.

رئيس الشركة قالها بوضوح: “حين تستخدم قواتنا أنظمة محلية في ظروف قاسية.  ويكون أداؤها مرضيًا، فذلك يصبح شهادة جودة أمام العالم”.

 

مضاعفة الصادرات… بالحرب والدبلوماسية. 

وزير الدفاع راجناث سينغ أعلن أن الحكومة تستهدف مضاعفة صادرات السلاح الهندي إلى 500 مليار روبية (نحو 5.8 مليار دولار) بحلول عام 2029. مقارنة بـ236 مليار روبية في العام المالي الماضي.

أما مودي، فاغتنم لقاءً في ولاية أوتار براديش ليؤكد أن “العالم رأى عيّنة من السلاح الهندي في عملية سندور”. مشيرًا إلى أن صواريخ “براهموس” المحلية تسببت بـ”دمار هائل في عمق أراضي العدو”.

لطالما كانت الهند واحدة من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم، حيث تعمل على تعزيز صناعتها الدفاعية في مواجهة الصين وإعادة تجهيز جيشها الذي كان يعتمد سابقًا على روسيا. © T. Narayan/Bloomberg

دور القطاع الخاص: من تاتا إلى أضخم إمبراطورية اقتصادية في البلاد. 

 

الهند فتحت باب الصناعة العسكرية للقطاع الخاص منذ 2014. شركات عملاقة مثل “تاتا” و”ماهيندرا” و”لارسن آند توبرو” دخلت القطاع بقوة. بشراكات استراتيجية مع شركات غربية مثل “إيرباص” و”بوينغ” و”سيكورسكي”. أما “أداني”.

المجموعة الأضخم والأكثر توسعًا، فتغطي طيفًا واسعًا من المنتجات: من الطائرات بدون طيار إلى الذخائر والأسلحة الصغيرة وأنظمة الحرب المضادة للغواصات.

 

رئيس المجموعة، غوتام أداني، اعتبر في لقاء المساهمين الأخير أن منتجات شركته. “شكّلت عيون السماء وسيوف الهجوم، كما ساعدت أنظمة مضادة للطائرات بدون طيار في حماية الجنود والمدنيين”.

 

النجاح يبدأ من الفلبين… والهدف: فيتنام وإندونيسيا. 

الهند أبرمت أولى صفقاتها الكبرى في 2022، حين صدّرت صواريخ “براهموس” المضادة للسفن إلى الفلبين مقابل 375 مليون دولار. واليوم، تبحث عن مشترين محتملين في كل من فيتنام وإندونيسيا. كما تأمل في تسويق أنظمة الدفاع الجوي “آكاش” ومدافعها محلية الصنع إلى دول “صديقة”.

 

مصدر حكومي قال إن “الهند لا تروج علنًا لسلاح بعينه”، لكن الوقائع تشير إلى دبلوماسية عسكرية نشطة. لا سيما في أعقاب الصراع القصير بين أرمينيا وأذربيجان، حيث صدّرت نيودلهي رادارات “سواتي” إلى يريفان، تبعتها لاحقًا بصواريخ “بيناق” ومنظومات “آكاش”.

قال وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ إن الهند تهدف إلى مضاعفة صادراتها الدفاعية إلى أكثر من 50 مليار روبية. © Anadolu/Getty Images

العقبات مستمرة: هزيمة أمام كوريا الجنوبية في صفقة ماليزيا

 

رغم النجاحات، لا تزال الهند تواجه صعوبات في اقتناص العقود التنافسية الكبرى. فشركة “هندوستان آيرونوتيكس” الحكومية خسرت صفقة بيع طائرات “تيجاس” خفيفة لمصلحة كوريا الجنوبية التي فازت بها في 2023. كما أشار محللون إلى أن الصفقات الهندية الكبرى تتم غالبًا عبر قنوات حكومية مباشرة، وليست ثمرة تنافسية مفتوحة.

 

القطاع الخاص ينتقل من المتفجرات إلى الذكاء الاصطناعي

 

شركات أخرى مثل “سولار إندستريز” المتخصصة في صناعة المتفجرات، دخلت السوق العسكري بتصنيع طائرات مسيّرة استخدم بعضها في العملية الأخيرة.

الرئيس التنفيذي، مانش نوال، قال إن نصف دفتر الطلبات البالغ 1.7 مليار دولار يأتي من الخارج. أما شركة “بهارات فورج” المصنعة لمدافع الهاوتزر. فأكدت أن غالبيّة دخلها الدفاعي (181 مليون دولار سنويًا) تأتي من التصدير.

 

سلاح الهند الجديد: تسويق الحرب كمختبر للابتكار

 

الخلاصة أن الحكومة الهندية، في ظل ضعف القوة الشرائية للجيش المحلي وتراجع الاعتماد على روسيا. تستخدم المواجهات العسكرية كمنصات دعائية لإثبات جودة منتجاتها.

فكل عملية تصبح فرصة لإقناع الأسواق بموثوقية السلاح المحلي. والسؤال الذي يطرح نفسه. هل تنجح نيودلهي في إعادة رسم دورها من مستورد دائم للسلاح إلى مُصدر فاعل في سباق التسلّح العالمي؟

اقرأ ايضا

الجارديان: فيديوهات إبستين تُلاحق ترامب.. مؤيدوه ينقلبون عليه ويتهمونه بالخيانة!

ياسمين خليل

ياسمين خليل، حاصلة على ليسانس آداب قسم علوم الاتصال والإعلام، تتمتع بخبرة في إدارة المحتوى والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب مهاراتها في الإعلام والعلاقات العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى