الوكالات

سوريا عند مفترق طرق جديد: “هدوء متوتر” في محافظة السويداء بعد أسبوع دامٍ خلّف أكثر من ألف قتيل

عاد الهدوء الحذر إلى محافظة السويداء جنوب سوريا بعد أسبوع من العنف الطائفي والاشتباكات الدامية بين مقاتلين من قبائل البدو ومقاتلي الطائفة الدرزية، في واحدة من أسوأ موجات العنف التي تشهدها البلاد منذ سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي. وبينما تتحدث الأرقام عن مقتل أكثر من 1000 شخص وتشريد أكثر من 128 ألفًا، يبقى هذا “الهدوء” مهددًا بالانهيار في أي لحظة وسط تحذيرات دولية من كارثة إنسانية متفاقمة.

الهجمات الإسرائيلية، والانتهاكات الطائفية من قبل قوات النظام الجديد، وردود الفعل الغاضبة من المجتمع الدولي، كلها عوامل تلقي بظلالها على هذا المشهد المتفجر، في وقت تحاول فيه الحكومة السورية المؤقتة تثبيت هدنة هشة وتقديم نفسها كبديل جامع لما بعد الأسد.

بداية العنف: شرارة صغيرة تتحول إلى جحيم

 

انطلقت المواجهات إثر شجار بسيط بين أحد أبناء قبائل البدو وأحد أفراد الطائفة الدرزية، لكن سرعان ما تحولت الحادثة إلى اشتباكات طاحنة بعدما تدخلت القوات الحكومية، ما دفع مقاتلي الدروز إلى مقاومة دخول الجيش. وتدحرجت الأمور نحو انفجار واسع النطاق، تخللته عمليات قصف، واشتباكات بالأحياء، وإعدامات ميدانية، وتدخلات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع للجيش السوري جنوب البلاد ووزارة الدفاع في دمشق، بحجة “حماية المجتمع الدرزي”.

خسائر بشرية ومأساة إنسانية

بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، بلغ عدد القتلى خلال الأسبوع الماضي أكثر من 1000 شخص، معظمهم من المدنيين، كما سُجّلت حالات إعدام خارج القانون، وقُصفت أحياء سكنية بشكل عشوائي. كما تشير منظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة إلى أن أكثر من 128 ألف شخص نزحوا من منازلهم هربًا من العنف، وسط نقص حاد في المياه، والكهرباء، والخدمات الطبية.

أحد سكان السويداء، طبيب الأسنان كنان عزام، قال لوكالة رويترز: “نعيش حالة من الهدوء المتوتر، لا يوجد قتال حاليًا، لكن الناس تموت بصمت. لا ماء، لا كهرباء، والمستشفيات خارج الخدمة تمامًا”.

قوافل مساعدات ووعود هش

في محاولة للاستجابة للوضع الإنساني، أعلنت منظمة الهلال الأحمر العربي السوري أنها بصدد إرسال 32 شاحنة محملة بالطعام والدواء والمياه والوقود، بينما أرسلت وزارة الصحة قوافل مساعدات إضافية. وأكدت وكالة الأنباء السورية الرسمية أن الوضع في المدينة بدأ يستقر بعد انسحاب مقاتلي العشائر ليل السبت.

لكن مراقبين حذروا من أن هذه الهدنة، التي أُعلن عنها بدفع من وساطة أمريكية لمنع المزيد من التدخل الإسرائيلي، لا تزال في مهدها، خاصة في ظل وجود توتر طائفي عميق لم تُعالجه الحكومة الجديدة بشكل فعال حتى الآن.

واشنطن ولندن وبروكسل: قلق متزايد من الانزلاق الطائفي

دعت الولايات المتحدة، عبر مبعوثها الخاص إلى سوريا توم باراك، كل الفصائل إلى “وقف القتال فورًا، والتخلي عن دوامة الانتقام”، فيما حذّر وزير الخارجية ماركو روبيو النظام السوري الجديد من مغبة تجاهل الانتهاكات داخل صفوفه، مؤكدًا أن “أي أمل في بناء سوريا موحدة وخالية من داعش والهيمنة الإيرانية يمرّ عبر المحاسبة العادلة لمن ارتكب الجرائم، حتى وإن كانوا من القوات الحكومية”.

الاتحاد الأوروبي أعرب من جانبه عن “صدمته من مئات القتلى المدنيين”، داعيًا جميع الأطراف إلى وقف العنف، ومنع خطاب الكراهية الطائفية، وحماية المدنيين، في حين طالب إسرائيل وجميع القوى الخارجية باحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها.

انتهاكات طائفية موثقة بالفيديو

في مشهد صادم، أظهر تسجيل مصور، نشره أحد عناصر القوات الحكومية على مواقع التواصل الاجتماعي، جندياً يلوّح بساطور قائلاً بسخرية “ذاهبون لتوزيع المساعدات”، بينما يقوم بتمزيق صورة لأحد الزعماء الروحيين الدروز ويدوسها بقدمه. هذه المشاهد – بحسب مصادر في بيروت – ليست استثناءً بل مؤشرًا على تصاعد خطاب الكراهية داخل بعض وحدات الجيش.

خيبة أمل من الحكومة الجديدة بعد رحيل الأسد

بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، كانت هناك آمال محلية ودولية بأن تقود الحكومة الجديدة البلاد نحو الاستقرار والمصالحة. وقد استجابت الدول الغربية برفع العقوبات، في محاولة لإنعاش الاقتصاد السوري المدمر. لكن الموجة الجديدة من العنف كشفت عمق التحديات، وسلطت الضوء على هشاشة الحكم الجديد، خاصة في ما يتعلق بإدارة التنوع الديني والطائفي.

عناصر من قوى الأمن الداخلي السوري يقفون حراسًا عند نقطة تفتيش أُقيمت لمنع مقاتلي البدو من التقدم باتجاه السويداء يوم الأحد. تصوير: كرم المصري/رويترز

جهود رئاسية لاحتواء الأزمة

الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، أعلن مساء السبت عن وقف إطلاق النار في السويداء، وجدد التزامه بحماية الأقليات العرقية والدينية. لكنه في الوقت ذاته طالب قبائل البدو بمغادرة المدينة، مشيرًا إلى أنهم “لا يمكنهم أن يحلوا محل الدولة في فرض الأمن أو إدارة شؤون البلاد”.

وصرّحت وزارة الداخلية ليلًا أن “مدينة السويداء أصبحت خالية من المقاتلين القبليين، وتم وقف الاشتباكات داخل أحيائها”.

ماذا بعد “الهدوء المتوتر”؟

رغم إعلان الهدنة وخروج المسلحين، إلا أن الجروح التي خلّفها هذا الأسبوع الدامي عميقة، والخوف ما زال مسيطرًا على قلوب المدنيين. فالأزمة لم تكن مجرد خلاف عابر، بل انعكاس لصراعات طائفية كامنة، ولعجز الدولة عن فرض سيادة حقيقية دون الانجرار إلى خطاب الكراهية أو تسخير الجيش للانتقام.

وفي غياب عدالة انتقالية واضحة، ومحاسبة شفافة للمتورطين، فإن هذا “الهدوء” في السويداء قد لا يكون إلا استراحة محارب في صراع طويل، وربما أعنف، في مستقبل سوريا الجديد.

اقرأ أيضاً:

وزير الخارجية يبحث مع نظيرته الألمانية سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى