سانت لوسيا تلغي تجريم المثلية: لحظة تاريخية تعيد الاعتبار لحقوق الإنسان في الكاريبي
التاريخ لا يُمحى… لكنه قابل للمراجعة

بعد عقود من الصمت والتهميش، وعقوبات قانونية مستمدة من عصور الاحتلال، استيقظت سانت لوسيا هذا الأسبوع على لحظة فاصلة في تاريخ حقوق الإنسان بالمنطقة. فبأحكام واضحة وجريئة، قضت المحكمة العليا في شرق الكاريبي بعدم دستورية القوانين التي جرّمت المثلية الجنسية بين البالغين برضا الطرفين، مؤكدة أن هذه القوانين تنتهك المبادئ الأساسية للحرية والكرامة. وللمرة الأولى منذ الاستقلال، شعر نشطاء مجتمع الميم بأنهم مرئيون، محميون، ومُعترف بهم.
لحظة طال انتظارها… لكنها ليست نهاية المطاف
“نعرف أن البعض لن يوافق على هذا الحكم – وهذا حقهم. لكننا لا نطلب من أحد أن يغيّر معتقداته. نحن فقط نطالب بالإنصاف”، هكذا جاء في بيان مشترك لمجموعة النشطاء الذين قادوا هذه المعركة القانونية. بالنسبة لهؤلاء، كان هذا الحكم أكثر من مجرد قرار قضائي؛ كان اعترافًا بإنسانيتهم.
لسنوات، كانت قوانين “اللواط” و”الفعل الفاحش” في سانت لوسيا بمثابة سيفٍ مرفوع فوق رقاب مجتمع الميم، تنصّ على عقوبات قد تصل إلى عشر سنوات سجنًا. ورغم أن السلطات لم تكن تنفذ هذه القوانين فعليًا، إلا أن وجودها وحده كان يُستخدم لتخويف الناس، وشرعنة العنف، وتبرير التمييز.
التاريخ لا يُمحى… لكنه قابل للمراجعة
المحامية فيرونيكا سيناك، إحدى الأسماء البارزة في المعركة القضائية، ذكّرت خلال مؤتمر صحفي بأن هذه القوانين ليست أصيلة ولا نابعة من ثقافة المنطقة، بل “فُرضت علينا من قِبل الاستعمار البريطاني، واليوم آن أوان إزالتها”.
هذا الخطاب كان شديد الأهمية، إذ لطالما استخدم خصوم الإصلاح هذه القوانين باعتبارها انعكاسًا لـ“قيم الكاريبي”، في مواجهة ما يسمونه “أجندات غربية”. إلا أن سيناك وضعت النقاط على الحروف: “القوانين الغربية هي من جرّمتنا، وليست من تدافع عنا اليوم”.
من القضبان إلى الشوارع… الحقوق لا تكفي إن لم تكن آمنة
بالنسبة لـكينيشا بلايسيد، المديرة التنفيذية لتحالف تنوع الميول والهويات في الكاريبي، جاء الحكم كأنفاس تُستعاد بعد اختناق طويل. لكنها حذرت: “لسنا في لحظة نصر خالص. ما زال هناك توتر في الشوارع، وما زال الناس يراقبون اثنين من الرجال يمشيان معًا وكأنهما خطر محتمل”.
العنف ما زال حاضرًا. فقد قُتل عدد من الرجال المثليين في سانت لوسيا خلال السنوات الماضية بطرق بشعة، ولم تكن هذه الجرائم مجرد حالات فردية بل رسائل ترهيب منظمة. لذلك، تقول بلايسيد: “إلغاء القانون هو نصف المعركة. النصف الآخر هو تغيير القلوب والعقول، حتى نعيش معًا دون خوف من القتل لمجرد أننا مختلفون”.
قوس النصر يمتد عبر المنطقة
الإنجاز في سانت لوسيا ليس معزولًا. فهو جزء من سلسلة انتصارات قانونية بدأت عام 2019 عندما أطلق “تحالف شرق الكاريبي للتنوع والمساواة” سلسلة من الطعون القضائية ضد القوانين التي تجرم المثلية في عدة دول، منها أنتيغوا وبربودا، وباربادوس، وسانت كيتس ونيفيس، وكلها ألغت تلك القوانين في 2022. العام الماضي، لحقت بهم دومينيكا.
اليوم، لم يتبقَّ في النصف الغربي من الكرة الأرضية سوى خمس دول تجرّم العلاقات المثلية: جامايكا، وجرينادا، وغيانا، وسانت فنسنت والغرينادين، وترينيداد وتوباغو.
في ترينيداد… الأمل لا يُكسر حتى في ظل التراجع
بينما كانت سانت لوسيا تحتفل، كانت ترينيداد وتوباغو تعيش لحظة خيبة. فقد ألغت المحكمة العليا هناك حكمًا سابقًا بإلغاء قوانين “اللواط“، ما يعني أن القضية ستذهب إلى المجلس الخاص في لندن، أعلى هيئة استئناف لبعض الدول المرتبطة تاريخيًا ببريطانيا.
رغم ذلك، تقول شارون موتلي، المديرة الإقليمية لرابطة الميم الدولية في الكاريبي: “رفضنا الاستسلام. ونظمنا مسيرة الفخر يوم 20 يوليو في شوارع بورت أوف سبين. كنا نريد أن نُظهر أننا هنا… ولن نختفي”.
القانون وحده لا يكفي… المعركة الأخلاقية مستمرة
بالنسبة للعديد من الناشطين، المعركة القانونية كانت ضرورية لكنها غير كافية. فالقوانين قد تتغير، لكن الثقافة لا تتغير بنفس السرعة. التمييز في التوظيف، والتحرش في الشارع، والنظرة المجتمعية المهينة كلها ما تزال جزءًا من حياة المثليين في معظم دول الكاريبي.
تقول بلايسيد: “حتى اليوم، لا يمكننا أن ننظّم مسيرة فخرية في سانت لوسيا دون أن نفكر في الأمن. لا يمكن لرجلين أن يتصافحا في العلن دون أن يُلاحقا بالعيون، وربما بالهواتف المحمولة التي تلتقط الصور وكأنهم مجرمون”.
المعركة مستمرة… لكن الأمل أقوى
منذ عام 2019، لم يتوقف النشطاء عن التقدم. لم ترهبهم التهديدات، ولا الاستهزاء، ولا التهم الجاهزة بـ”نشر الفساد الغربي“. كانوا يعرفون أن الطريق طويل، لكنه ليس مستحيلاً. واليوم، بعد أن ألغيت القوانين في أكثر من نصف دول شرق الكاريبي، بات الأفق أوسع.
تقول تيا براون، المديرة التنفيذية لمنظمة “هيومن ديغنيتي تراست”: “هذا الحكم في سانت لوسيا له تأثير قانوني وأخلاقي قد يمتد إلى الدول الخمس المتبقية. نعلم أن هناك من سيقاوم، لكن الحركة أصبحت أكبر من أن تُقمع”.
إقرأ ايضَا: