عربي وعالمي

خطر ترك الذكاء الاصطناعي يفكر نيابة عنك

الذكاء الاصطناعي أداة واعدة للمعرفة

في غضون سنوات قليلة، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. من تخطيط الإجازات وكتابة بطاقات التهنئة، إلى المساعدة في تشخيص الأمراض، باتت النماذج اللغوية الكبرى — مثل شات جي بي تي — تؤدي أدوارًا متزايدة في منازلنا ومكاتبنا وجامعاتنا.

 

ووفقًا لتقرير فايننشال تايمز، يستخدم نحو 700 مليون شخص أسبوعيًا أدوات الذكاء الاصطناعي، في وقت أعلنت فيه شركات التكنولوجيا الكبرى — مثل مايكروسوفت وميتا — عن أرباح ضخمة وخطط طموحة لمزيد من الاستثمارات في هذا المجال. كما بدأت غوغل في طرح وضع “الذكاء الاصطناعي” ضمن محرك بحثها في بريطانيا، مما يؤكد مدى تسارع الاعتماد على هذه التقنية.

 

الوجه المشرق: وقتٌ أكثر وعلومٌ أسرع

في أفضل حالاته، يحمل الذكاء الاصطناعي وعودًا مذهلة.

إذ يمكنه تسريع المهام الرتيبة، وإتاحة وقت أطول للأنشطة الإبداعية أو الترفيهية. كما تتيح قدرته على معالجة كميات ضخمة من البيانات تسريع الاكتشافات العلمية، مثل التقدم في رسم خرائط الدماغ أو البرهان الرياضي.

لكن مع وفرة الإجابات السريعة والجاهزة، تظهر مخاطر لا يمكن تجاهلها.

 

الوجه المعتم: الضمور العقلي بفعل “الإسناد المعرفي”

من أبرز المخاوف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ظاهرة تُعرف باسم “الإسناد المعرفي” (Cognitive Offloading). أي أن الاعتماد المستمر على التكنولوجيا الذكية لأداء المهام الذهنية يمكن أن يُضعف ذاكرتنا وقدراتنا على حل المشكلات.

وقد ظهرت هذه الظاهرة لأول مرة مع “تأثير غوغل“، إذ أظهرت دراسات أن الناس باتوا يعتمدون على محركات البحث كمخزن للمعرفة، بدلاً من حفظ المعلومات واستيعابها بأنفسهم.

 

ومع ظهور روبوتات الدردشة المتقدمة، يتعاظم هذا الخطر. فحين يصبح الذكاء الاصطناعي أداة جاهزة للكتابة والتحليل والإبداع، قد نتراجع عن ممارسة التفكير النقدي والتحليل المستقل، ونعتمد عليه كوسيلة راحة معرفية.

 

دراسات مبكرة… ومؤشرات مقلقة

 

رغم أن البحوث في هذا المجال لا تزال محدودة، فإن بعض الدراسات تبعث على القلق. دراسة من مختبر MIT للإعلام وجدت أن المشاركين الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي لكتابة مقالات أدّوا أداءً أضعف على المستويات العصبية واللغوية والسلوكية، مقارنة بمن كتبوا بأنفسهم. بل أظهرت الدراسة أنهم أصبحوا أكثر كسلًا بمرور الوقت، يلجؤون لنسخ نصوص الآلة حرفيًا.

دراسة أخرى نُشرت في يناير 2025، شملت 666 مشاركًا، وجدت علاقة سلبية واضحة بين استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتكرر وضعف التفكير النقدي.

ورغم أن هذه النتائج تحتاج إلى مزيد من التحقق، فإنها تشير إلى ما يمكن أن يكون ثمنًا باهظًا للتكنولوجيا إن تُركت بلا حذر.

 

دروس من الإنترنت ومواقع التواصل

 

تُظهر التجربة مع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي أن الآثار السلبية للتقنيات الإيجابية لا تظهر فورًا، بل تتراكم على مدى سنوات.

ومع ميل البشر الطبيعي للحلول السهلة والسريعة (وهي ظاهرة نفسية تُعرف بـ”البخل المعرفي“)، يصبح من الضروري وضع حواجز أمان ذكية لضمان استخدام مسؤول للذكاء الاصطناعي.

 

خطوات ضرورية لحماية التفكير النقدي

إعادة صياغة التعليم:

مع سهولة الوصول إلى المعلومات، يصبح التحدي الحقيقي هو تعليم الطلبة كيفية طرح الأسئلة وتقييم صحة الإجابات. ينبغي أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة لممارسة التفكير النقدي، لا بديلاً عنه.

 

تثقيف المستخدمين:

يجب أن يُدرّب الناس على اعتبار الذكاء الاصطناعي مساعدًا ذكيًا لا “روبوتًا كلي المعرفة”. فالذكاء الاصطناعي لا يخلو من التحيزات والمعلومات المضللة، ولا يصلح أبدًا لتقديم نصائح طبية أو سياسية حاسمة دون تحقق بشري.

 

تصميم ذكي لتشجيع الحوار:

يمكن للمطورين تعديل سلوك الذكاء الاصطناعي بحيث يُشجّع المستخدم على التفكير، من خلال تقديم أسئلة بديلة أو خيارات متعددة بدلًا من تقديم إجابة واحدة نهائية.

 

لا تجعل الذكاء الاصطناعي عكازًا دائمًا

يبلغ الذكاء الاصطناعي ذروته حين يُستخدم كشريك في التفكير، لا كبديل عنه.

ولمنع التدهور العقلي على المدى الطويل، من الأفضل أن نكون مستخدمين ناقدين لا مستهلكين خاضعين.

إقرأ ايضَا.. سياسه الممكن: الطريق الواقعي نحو إنقاذ المناخ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى