الوكالات

إندونيسيا توقع عقدًا ضخمًا لشراء مقاتلات KAAN التركية: طموح بلا تمويل واضح؟

صفقة مقاتلات KAAN: طموح إندونيسي كبير يصطدم بواقع مالي صعب

في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، وقّعت إندونيسيا رسميًا عقدًا لشراء 48 مقاتلة من طراز “KAAN” التركية من الجيل الخامس، خلال معرض الصناعات الدفاعية الدولي (IDEF) في إسطنبول، وسط احتفاء تركي باعتباره أول نجاح تصديري للطائرة المتقدمة. إلا أن الاتفاق، الذي وُصف بأنه تاريخي، يأتي في وقت تعاني فيه جاكرتا من ضغوطات مالية شديدة وتراجع في ميزانية الدفاع، ما يثير تساؤلات عميقة حول كيفية تمويل الصفقة وجدوى تنويع الأسطول الجوي الإندونيسي المتضخم أصلًا.

 

فبينما تحتفل أنقرة بفتح بوابة جديدة لصادراتها الدفاعية المتطورة، يقف مراقبون اقتصاديون وعسكريون أمام مفارقة واضحة: كيف لدولة بالكاد تُسدّد التزاماتها تجاه مشاريع قائمة، أن تدخل في اتفاق جديد قد تتجاوز قيمته 10 مليارات دولار، في ظل عجز مالي متنامٍ؟

 

عقد رسمي وتعاون صناعي واسع

أُعلن رسميًا عن توقيع العقد في 26 يوليو خلال فعاليات IDEF، بحضور وزير الدفاع الإندونيسي شافري شمس الدين ونائب قائد القوات الجوية يوسف جوهري. وينص الاتفاق على تسليم 48 مقاتلة KAAN على مراحل تمتد لعشر سنوات، إلى جانب تعاون موسع في الإنتاج المشترك، ونقل التكنولوجيا، وبناء بنية تحتية صناعية محلية بمشاركة شركتين إندونيسيتين: PT Republika Aero Dirgantara وPT Dirgantara Indonesia.

وصفت وزارة الدفاع الإندونيسية الصفقة بأنها فرصة لتعزيز الصناعة الدفاعية بشراكة استراتيجية مع تركيا

وزارة الدفاع الإندونيسية أشادت بالصفقة باعتبارها “فرصة ذهبية” لتعزيز قدرات الصناعة الدفاعية الوطنية، مشيرة إلى أنها تتجاوز مجرد شراء معدات إلى بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع تركيا.

 

تمويل غائب وأسئلة بلا إجابة

ورغم أجواء الحماس الرسمية، لم تُكشف أي تفاصيل عن كيفية تمويل الصفقة، في وقت تُظهر فيه مؤشرات ميزانية الدفاع الإندونيسية تراجعًا بنسبة 6% لعام 2025، مع بقاء الإنفاق العسكري دون 1% من الناتج المحلي الإجمالي—نسبة أدنى من دول صغيرة مثل سنغافورة.

 

صحيفة Jakarta Post تحدثت عن تقديرات غير رسمية لقيمة الصفقة تصل إلى 10 مليارات دولار، بينما ألمحت منصة Janes الدفاعية إلى غياب أي مخصصات مالية لها حتى الآن، ما يفتح الباب أمام احتمالات التأجيل أو التخلف عن السداد.

 

التزام مشكوك فيه في ظل تراكم التزامات أخرى

هذا الالتزام الجديد يأتي في ظل سجلّ متعثر لإندونيسيا في تنفيذ التزاماتها السابقة، وعلى رأسها مشروع المقاتلة KF-21 المشترك مع كوريا الجنوبية، والذي شهد سنوات من التأجيل بسبب عدم دفع جاكرتا حصتها المالية، ما أدى إلى إعادة هيكلة الاتفاق مؤخرًا وتقليص مساهمتها المالية.

 

إضافة إلى ذلك، وقّعت إندونيسيا بالفعل عقدًا مع فرنسا لشراء 42 مقاتلة “رافال”، مع نوايا معلنة لشراء دفعة إضافية، إلى جانب اهتمام سابق بمقاتلات Su-35 الروسية وF-15EX الأمريكية.

 

أسطول متنوع… ومكلف جدًا

يُظهر السجل العسكري الإندونيسي رغبة واضحة في تنويع مصادر التسليح وتحديث القوات الجوية، لكن محللين يحذرون من أن تشغيل هذا العدد من الطائرات المختلفة—رافال، KF-21، KAAN وربما F-15 أو Su-35—سيفرض أعباء لوجستية وتقنية كبيرة.

 

فكل طائرة تتطلب بنية صيانة وتدريب منفصلة، بالإضافة إلى منظومات تسليح ودعم مختلفة، ما يزيد التكاليف التشغيلية بشكل كبير ويُعقّد إدارة الأسطول العسكري.

 

تركيا تحتفل بأول عميل للمقاتلة الشبحية

بالنسبة لأنقرة، تُعد الصفقة نجاحًا استراتيجيًا كبيرًا لبرنامجها الطموح لتطوير المقاتلة KAAN، حيث صرّح المدير التنفيذي لشركة الصناعات الجوية التركية (TAI) بأن الاتفاق مع إندونيسيا سيفتح الباب أمام صفقات أخرى مع دول في الخليج وأفريقيا وآسيا.

 

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن في يونيو الماضي عن اتفاق حكومي-حكومي مع إندونيسيا لتصدير المقاتلات، ما عكس ثقة تركيا في قابلية المقاتلة للتنافس عالميًا.

 

اهتمام خليجي وآسيوي متزايد بالمقاتلة التركية

بحسب تقارير محلية ودولية، أعربت دول مثل السعودية والإمارات وباكستان وأذربيجان عن اهتمامها بمقاتلة KAAN، لا سيما بعد تعثر محاولات بعض هذه الدول للحصول على مقاتلات F-35 الأمريكية لأسباب سياسية.

 

السعودية، على وجه الخصوص، تُجري محادثات لشراء 100 مقاتلة KAAN، بينما أبدت الإمارات اهتمامًا خلال معرض IDEX 2025. أما باكستان، فناقشت المقاتلة خلال اجتماعات صناعية ثنائية مع أنقرة مطلع العام الجاري.

 

مواصفات تقنية تضع KAAN في نادي الجيل الخامس

تُعد KAAN أول مقاتلة تركية من الجيل الخامس، وقد أتمت أولى رحلاتها التجريبية في فبراير الماضي، وتضم مواصفات متقدمة مثل:

قدرة على التحليق بسرعة “سوبر كروز”

مقطع راداري منخفض لتفادي الكشف

دمج كامل للأنظمة الحسية الداخلية (رادارات، حرارية، إلكترونية)

رادار AESA باستخدام تقنية GaN

ارتباط آمن بمنصات مسيّرة مثل TAI Anka

أنظمة تشويش إلكترونية متطورة من إنتاج شركة Aselsan

 

ومن المتوقع أن تدخل المرحلة التجريبية المكثفة في 2026، مع بدء الإنتاج التسلسلي في 2028 وتسليم أولى الطائرات للقوات الجوية التركية عام 2029.

اقرأ أيضاً فرنسا تدق طبول السيادة في المحيطين الهندي والهادئ: ماكرون يطلق استراتيجية واقعية لعالم مضطرب

خاتمة: بين الطموح السياسي والقيود الاقتصادية

صفقة KAAN تمثل حلمًا استراتيجيًا لإندونيسيا بتعزيز مكانتها العسكرية، لكنها قد تتحول إلى عبء اقتصادي كبير ما لم تُحدّد آليات التمويل بوضوح. وبينما تحتفل تركيا بخطوة أولى نحو تصدير طائرتها الشبحية، يقف المراقبون بترقّب لمعرفة إن كانت جاكرتا قادرة على الوفاء بوعودها هذه المرة.

 

فهل تكون KAAN بداية عصر جديد للقوات الجوية الإندونيسية؟ أم مجرد مشروع آخر على الورق في ظل واقع اقتصادي متعثر؟ الإجابة ستتضح مع مرور الوقت وتفاصيل التنفيذ.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى