بريطانيا تُعزز صناعتها الدفاعية وتُقلص الاعتماد على الولايات المتحدة
بريطانيا تُعيد تسليح مصانعها: نحو استقلال دفاعي في مواجهة التهديدات العالمية

في خطوة استراتيجية تعكس تحولات كبرى في سياسات الأمن القومي والتصنيع العسكري، أعلنت بريطانيا عن خطط موسعة لزيادة إنتاج قذائف المدفعية والمواد المتفجرة، بهدف تقليص الاعتماد على الواردات الأمريكية والفرنسية، وسط أجواء جيوسياسية مشحونة وتوترات اقتصادية وتجارية متزايدة مع واشنطن. هذه التحركات، التي تقودها شركة “بي إيه إي سيستمز” BAE Systems، تأتي في وقت يشهد تصاعدًا في الطلب العالمي على الذخائر بسبب الحرب في أوكرانيا، واستعدادًا لمواجهة التحديات الأمنيةالتحديات الأمنية التي يفرضها التوسع العسكري الروسي وتصاعد النزاعات في الشرق الأوروبي.
إنتاج محلي لمتفجرات RDX الحيوية
أعلنت شركة “بي إيه إي سيستمز”، أبرز مقاولي الدفاع في بريطانيا، عن خطط لتوسيع إنتاج متفجرات RDX المستخدمة في قذائف المدفعية من عيار 155 ملم. حتى وقت قريب، كانت بريطانيا تعتمد على واردات هذه المادة من الولايات المتحدة وفرنسا، ما أثار مخاوف بشأن الأمن الصناعي في حال تعطلت الإمدادات بسبب التوترات الجيوسياسية أو القيود التجارية.
تقنية جديدة وإنتاج موزّع عبر الحاويات
بدلًا من الاعتماد على مصانع ضخمة مركزية، تتجه “بي إيه إي سيستمز” إلى استخدام وحدات إنتاج صغيرة على شكل حاويات شحن تُوزع في مواقع متعددة عبر البلاد. كل وحدة قادرة على إنتاج نحو 100 طن سنويًا من المتفجرات، بفضل اعتماد تقنيات مؤتمتة تضمن الكفاءة وسرعة الاستجابة لاحتياجات السوق الدفاعية.
توسّع ضخم في إنتاج القذائف
بحلول صيف 2025، ستبدأ منشأة “غلاسكويد” في جنوب ويلز، التابعة لـ BAE، بتشغيل خطوط إنتاج جديدة ستُسهم في رفع إنتاج القذائف بنحو 16 ضعفًا خلال عامين. وتهدف الشركة إلى تحقيق اكتفاء ذاتي في المتفجرات والمواد الدافعة المطلوبة لتلبية احتياجات وزارة الدفاع البريطانية بالكامل بحلول نهاية 2026، مع الحفاظ على التزاماتها التصديرية.
رد صناعي على تهديدات روسيا
ستيف كارديو، مدير في BAE Systems، صرّح بأن التحول في الإنتاج يأتي استجابة مباشرة لواقع عالمي “تتزايد فيه التهديدات وعدم الاستقرار”، مؤكدًا أن الهدف هو “توسيع الطاقة الإنتاجية لمجاراة روسيا ودول معادية أخرى”. وأضاف أن الاستمرار في الاعتماد على سلاسل توريد خارجية يُشكل مخاطرة لا يمكن القبول بها على المدى البعيد.
أزمة الرسوم الجمركية تزيد من الحاجة للاستقلال
الإعلان البريطاني جاء بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع الصادرات البريطانية إلى الولايات المتحدة، و25% على واردات السيارات والفولاذ الأجنبية. هذه الرسوم زادت من التوترات بين لندن وواشنطن، ودعمت الحاجة لتقوية الصناعات الدفاعية البريطانية لتقليل هشاشة الاعتماد على الحلفاء التقليديين.
ملف الصين يشعل الجدل حول الأمن الصناعي
في سياق موازٍ، سحبت الحكومة البريطانية ملكية شركة “بريتيش ستيل” من مجموعة “جينجيه” الصينية، بعد اتهامات بأن الشركة الصينية تعمدت إضعاف الصناعة الوطنية بإغلاق الأفران العالية في “سكَنْثورب”. الحادثة دفعت ساسة بريطانيين إلى المطالبة بإقصاء الصين من البنية التحتية الوطنية الحساسة، في حين ردّت بكين بأن “تسييس التجارة” يضر بالتعاون الدولي.
اقرأ أيضاً
إندونيسيا توقع عقدًا ضخمًا لشراء مقاتلات KAAN التركية: طموح بلا تمويل واضح؟
تحول في أولويات الميزانية الدفاعية
حكومة حزب العمال بقيادة السير كير ستارمر أعلنت في فبراير عن رفع الإنفاق الدفاعي ليصل إلى 2.5% من الناتج المحلي بحلول 2027، مع خطط للوصول إلى 3% خلال الدورة البرلمانية المقبلة. هذا التوجه يتماشى مع الضغوط الأمريكية على حلفاء الناتو لزيادة مساهماتهم الدفاعية، ويعكس أيضًا إدراكًا متناميًا لأهمية الجاهزية الصناعية في زمن الحرب.
الدفاع محرّك للنمو الصناعي
جون هيلي، وزير الدفاع البريطاني، شدد على أن تعزيز إنتاج المدفعية محليًا يُعد من الدروس المستفادة من حرب أوكرانيا، مشيرًا إلى أن “الخط الأمامي يبدأ من خط الإنتاج”. وأكد أن الاستراتيجية الصناعية الدفاعية الجديدة ستُسهم في خلق فرص عمل وتعزيز الابتكار، مما يُحوّل قطاع الدفاع إلى قاطرة للنمو الاقتصادي وليس مجرد أداة أمنية.