بعد ضغط ترامب وارتفاع التهديدات… أوروبا تسرّع إنتاج الصواريخ لمواجهة المستقبل

في قلب غابة هادئة بوسط فرنسا، يدور داخل جدران مصنع ضخم سباق من نوع مختلف؛ سباق مع الزمن لتصنيع الصواريخ التي قد ترسم ملامح الأمن الأوروبي لعقود مقبلة. تقرير وول ستريت جورنال يكشف كيف وجدت شركة MBDA، إحدى أكبر مصنّعي الصواريخ في العالم، نفسها في مقدمة معركة استراتيجية هدفها فك الارتباط الأوروبي المزمن مع السلاح الأمريكي منذ نهاية الحرب الباردة. ومع اشتداد الحرب في أوكرانيا، وقرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – الذي تم التراجع عنه لاحقًا – بوقف تسليح كييف، تصاعدت المخاوف داخل الاتحاد الأوروبي من هشاشة الاعتماد على الدعم الخارجي، لتتحول قضية السيادة الدفاعية إلى أولوية وجودية. الطلب الهائل على الأسلحة منذ 2022 ملأ دفاتر طلبات شركات الدفاع الأوروبية، لكن بطء التوسع وثغرات الإنتاج أبقت القارة العجوز رهينة للواردات الأمريكية. في مواجهة هذا التحدي، تطلق MBDA استثمارات مليارية وخطط توسع غير مسبوقة، في محاولة لمجاراة الطلب التاريخي ومواكبة اللحظة الفاصلة.

قفزة إنتاجية واستثمارات ضخمة لتلبية الطلب
منذ بداية الحرب في أوكرانيا، ضاعفت MBDA إنتاج صواريخ Akeron المضادة للدبابات إلى 40 صاروخًا شهريًا، ورفعت إنتاج صواريخ Mistral قصيرة المدى من 10 إلى 40 صاروخًا. كما وضعت هدفًا لزيادة إنتاج صواريخ Aster للدفاع الجوي بنسبة 50% بحلول 2026 مقارنة بمستويات 2022، مع خفض زمن التصنيع إلى أقل من النصف. الرئيس التنفيذي، إريك بيرنجيه، يصف المرحلة بقوله: “نحن نعيش لحظة تاريخية، حيث الوقت والحجم والسرعة عوامل حاسمة.” ولتحقيق ذلك، أعلنت الشركة عن خطة استثمارية بقيمة 2.7 مليار دولار للفترة من 2023 إلى 2028، مدفوعة بدفتر طلبات يقدر بـ 40 مليار دولار. هذه الأرقام تمثل تحولًا كبيرًا لشركة كانت تعاني من تباطؤ الطلب بعد الحرب الباردة، لكنها الآن تجد نفسها أمام فرصة وتحدٍّ استراتيجي في آن واحد.

تحديات القوى العاملة وسلاسل الإمداد
التوسع في الإنتاج يتطلب مواجهة معضلتين أساسيتين: نقص الكفاءات وتعزيز سلاسل التوريد. في 2024، وظفت MBDA نحو 2,500 موظف في مواقعها ببريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وتخطط لإضافة 2,600 آخرين هذا العام. بالتوازي، تعمل الشركة مع وكالات التوظيف الحكومية لتدريب عمال جدد، وتعرض رواتب تنافسية لجذب المهارات. على صعيد الإمداد، رفعت الشركة مخزونها من الفولاذ الخاص من 5 أطنان قبل الحرب إلى 80 طنًا، وخزنت ما يكفي من التيتانيوم لإنتاج آلاف الصواريخ. كما زادت معدات التصنيع في مصنع بورج من 25 آلة إلى 37، مع خطة للوصول إلى 50 بحلول 2026. هذه الجهود تعكس محاولة شاملة لتقليل نقاط الضعف التي كشفها الضغط الإنتاجي المفاجئ بعد 2022.

فجوات تكنولوجية ومنافسة أمريكية ساحقة
رغم جهود التوسع، لا تزال MBDA وأوروبا تواجهان فجوات تكنولوجية خطيرة. فالشركة لا تنتج حتى الآن صواريخ فرط صوتية، ونظامها للدفاع الجوي Samp/T لا يملك الانتشار الواسع لنظام Patriot الأمريكي الذي تستخدمه 19 دولة، بينها 9 دول أوروبية. إضافة إلى ذلك، قدرات الإنتاج الأوروبية لا تضاهي الأرقام الأمريكية؛ فبينما تنتج MBDA عشرات من صواريخ كروز مثل Scalp وTaurus سنويًا، تصنع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية نحو 720 صاروخًا من طراز JASSM سنويًا، مع خطط للوصول إلى 1,100. كما أن نحو ثلثي واردات السلاح الأوروبية من دول الناتو جاءت من الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية، ما يعكس استمرار الاعتماد على واشنطن رغم زيادة الإنفاق الدفاعي.

معركة السيادة الدفاعية الأوروبية
التاريخ الحديث يفسر هذا التفاوت؛ فبعد الحرب الباردة، خفضت أوروبا ميزانيات الدفاع وأغلقت أو قلصت خطوط إنتاج رئيسية، بينما أبقت الولايات المتحدة على مستوى إنتاج ثابت بفضل أكبر ميزانية دفاعية في العالم. هذا الفارق جعل الحكومات الأوروبية تميل تلقائيًا إلى الموردين الأمريكيين عند الأزمات، وأدى إلى تقليص الطلب على الشركات المحلية. اليوم، مع تزايد التوترات الجيوسياسية، تجد أوروبا نفسها أمام مفترق طرق: إما الاستثمار الجاد في قدراتها الدفاعية المحلية، أو الاستمرار في دوامة الاعتماد على الحماية الأمريكية. بيرنجيه يلخص الموقف بقوله: “لدينا كل ما نحتاجه في أوروبا… الأمر فقط يتعلق بما نريد أن نفعله.”