لعنة “ديسكو إليزيوم”: كيف تحوّل أنجح لعبة تقمص أدوار إلى مأساة لمبدعيها
"ديسكو إليزيوم: من معجزة فنية إلى حطام استوديوهات وخيبات مبدعين"

كانت “ديسكو إليزيوم” عند صدورها عام 2019 مفاجأة عالم ألعاب الفيديو. ليست لعبة فانتازيا عن النبوءات والسحر، ولا خيالًا علميًا متسع الأفق، بل مغامرة فكرية تسمح للاعبين بالانغماس في عقل محقق بائس نفسيًا وجسديًا وروحيًا، يدور في أجواء انهيار الاشتراكية وصراع العمال مع أصحاب العمل، ويتقاطع مع قضايا العنصرية، الفاشية، الإدمان، وحتى علم الكائنات الخفية. جاءت من إستونيا، من مجموعة فنية يسارية وليست من استوديو شهير، وكانت أقرب في تأثيرها إلى مزيج بين “اسم الوردة” و”آل سوبرانو”: فن راقٍ مع جاذبية تجارية كاسحة. لكن نجاحها الهائل أطلق سلسلة من الانهيارات والخلافات التي مزقت تقريبًا كل من شارك في صنعها.
من الفضاء إلى عالم ديسكو
دورا كليندزيتش، عالمة فيزياء وكاتبة ألعاب فيديو سابقة، كانت قد تركت الصناعة في 2019 لتعود إلى مجالها في هندسة الطيران، بعد أن سئمت من الإدارة الرديئة في عالم الألعاب. لكن حين صدرت “ديسكو إليزيوم”، شعرت أنها لا تستطيع العيش دون العمل على مشروع مشابه، فالتحقت في 2021 باستوديو ZA/UM، لتكتشف أنه لم يكن جماعة فنية تعاونية كما تصورت، بل شركة تقليدية يديرها مديرون مولعون بألعاب جماهيرية مثل “ماينكرافت” و”أمونغ أس”، بعيدة كل البعد عن الفلسفة الماركسية أو المادية التاريخية التي أوحت بها اللعبة.
انهيار داخلي وصراع قضائي
في السنوات التالية، أقالت الشركة الكاتب والمخرج الفني الأساسيين للعبة، واندلعت دعاوى قضائية بين المساهمين، وأُلغي المشروع الذي كانت تعمل عليه كليندزيتش، قبل أن تغادر في 2024 متوقعة إقالتها بسبب تصريحاتها عن تسريح الموظفين. وعندما أسست مع شريكها آرو تولّيك استوديو جديدًا لصنع “خليفة روحية” لـ”ديسكو”، أوقفتهم أوامر قضائية رفعها أصحاب عملهم السابقون.
روبرت كورفيتز وعالم إليزيوم
كورفيتز، الكاتب والمصمم الرئيسي، كان قد ابتكر عالم “إليزيوم” منذ مراهقته في تالين أوائل الألفية، في حملات لعب أدوار جماعية مع أصدقائه، بينهم مارتن لوويغا وآرو تولّيك. في هذا العالم البديل، لا وجود لأمريكا، الفرنسية هي اللغة العالمية، وأوروبا مفصولة بحاجز إشعاعي يُسمى “البيل”. تاريخه مليء بالثورات الفاشلة وانتصارات الرأسمالية، وتقنياته من سيارات ومحركات شريطية وأجهزة راديو.
من مدونة يسارية إلى شركة رأسمالية
عام 2009، أسس كورفيتز ورفاقه مجموعة ZA/UM كمنصة ثقافية يسارية على الإنترنت، جمعت كتّابًا وشعراء وفنانين. لاحقًا جذبوا الروائي الإستوني المثير للجدل كاور كيندر، الذي ساعد كورفيتز على نشر روايته “الهواء المقدس والمريع” في 2013، لكنها لم تحقق نجاحًا يذكر. هذه المرحلة شكلت بذرة التعاون الذي سيؤدي لاحقًا إلى اللعبة.
ولادة “ديسكو إليزيوم”
بفكرة من كيندر وتمويل من رجل الأعمال مارغوس لينامي، تحولت رؤية كورفيتز إلى لعبة فيديو. صدرت في 2019 كتحقيق جنائي عميق في حي صغير، حيث يقود اللاعب محققًا فاقد الذاكرة، يمكن تشكيل شخصيته سياسيًا وفكريًا، واكتساب “أفكار” بدلًا من الأسلحة والكنوز. النص المكتوب تجاوز مليون كلمة، مستلهمًا أسلوب القراءة على الهواتف وممزوجًا بسخرية وفلسفة سياسية.
نجاح عالمي وأرباح قياسية
حصدت اللعبة إشادة نقدية واسعة، بيعت ملايين النسخ، وحققت ZA/UM أرباحًا تجاوزت 6.7 مليون يورو في ستة أشهر، بعد خسائر العام السابق. صنفتها مجلات متخصصة كواحدة من أعظم ألعاب تقمص الأدوار، وأثرت في مبدعين بارزين في الصناعة.
من القمة إلى الانقسام
لكن في 2021، باع لينامي حصته إلى المستثمر إلمار كومبوس، في صفقة مثيرة للجدل اتهم كورفيتز بأنها مولت جزئيًا من أموال الشركة. انتهى الأمر بإقالة كورفيتز والمخرج الفني ألكسندر روستوف، بعد مطالبتهما بسجلات مالية. رغم أن المحاكم لم تثبت وجود احتيال، فإن الانقسام كان قد بلغ ذروته.
تفكك الفريق وبحث عن “الخليفة”
غادر المبدعون الأساسيون لتأسيس استوديوهات متفرقة، كل منها يعمل على مشروع متأثر بـ”ديسكو”، من كورفيتز وفريقه في Red Info، إلى كيندر في Dark Math Games، إلى شركات أسسها مستثمرون جدد مثل رياز مولا. لكن الخلافات الشخصية والدعاوى القضائية عطلت كثيرًا من هذه المشاريع.
إرث ملعون أم بداية جديدة؟
بالنسبة للبعض، “ديسكو إليزيوم” كانت لحظة ذروة مستحيلة التكرار. بالنسبة لآخرين، لم تكن سوى المسودة الأولى لأسلوب جديد في ألعاب الفيديو، يمكن أن يُصقل ويتطور. ومع أن جمهور اللعبة أصبح مشككًا في أي “خليفة” لا تضم مبدعيها الأصليين، فإن نار الإبداع التي أوقدتها تشتعل اليوم في أماكن متفرقة، محاطة برماد الخلافات القديمة.